ومنها : بيان رفعة مقام زكريّا ويحيى عليهماالسلام ، وكونهما نبيّين مع كونهما من البشر. ومنها : بيان كمال قدرته تعالى. ومنها : بيان غاية لطفه بأوليائه. ومنها : وجوب البرّ بالوالدين ، إلى غير ذلك.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ
دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا * قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا *
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قالَ كَذلِكِ قالَ
رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ
فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا * فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي
مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا * فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ
تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا * فَكُلِي
وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ
صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ
شَيْئاً فَرِيًّا * يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ
بَغِيًّا (١٦) و (٢٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بيّن (١) كمال قدرته على خلق الولد من غير فحل بقوله : ﴿وَاذْكُرْ﴾ يا محمّد للنّاس ﴿فِي﴾ هذا ﴿الْكِتابِ﴾ العظيم ﴿مَرْيَمَ﴾ بنت عمران بن ماثان وقصّة احتبالها بعيسى ووقته بقوله : ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ﴾ وتنحّت ﴿مِنْ أَهْلِها﴾ وأقاربها وأتت ﴿مَكاناً شَرْقِيًّا﴾ من بنت خالتها ، أو اختها ابشاع زوجة زكريّا.
قيل : احتاجت يوما إلى الغسل ، وكان وقت الشّتاء ، فجاءت إلى ناحية شرقيّة من الدّار مقابل للشمس (٢)﴿فَاتَّخَذَتْ﴾ وأرخت للستر من أهلها ﴿مِنْ دُونِهِمْ﴾ وأدنى مكان منهم ﴿حِجاباً﴾ وسترا يسترها منهم إذا تعرّت.
وقيل : إنّها طلبت خلوة للعبادة لئلّا تشتغل عنها (٣) .
والقمي : خرجت إلى النّخلة اليابسة (٤)﴿فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا﴾ جبرئيل ﴿فَتَمَثَّلَ﴾ وتصوّر ﴿لَها﴾
__________________
(١) في النسخة : بعد بيان.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢١.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٩٦.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٦.