وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)﴾
ثمّ بيّن الله كيفية حفظهم أحياء (١) في الغار مدّة طويلة بقوله : ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾ يا محمّد لو رأيتهم ﴿إِذا طَلَعَتْ﴾ من افق المشرق ﴿تَزاوَرُ﴾ وتميل ﴿عَنْ كَهْفِهِمْ﴾ الذي يكونون فيه ﴿ذاتَ الْيَمِينِ﴾ وجهته من الكهف ، فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم ﴿وَإِذا غَرَبَتْ﴾ الشّمس ومالت إلى افق المغرب تراها ﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ وتعدل من سمت رؤوسهم ﴿ذاتَ الشِّمالِ﴾ وجانبه من الكهف ﴿وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ﴾ ومتّسع ﴿مِنْهُ ،﴾ فصان الله أجسادهم من الفساد بعدم وصول حرّ الشّمس إليهم في حال من الأحوال ، ووصول الهواء الطيّب والنّسيم إليهم.
قيل : إنّ ذلك كان لأجل أنّ باب الكهف كان في طرف الجنوب (٢) . وقيل : إنّه كان بقدرة الله وخرقه للعادة كرامة لهم (٣) ، وإليه أشار سبحانه بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الصّنع الذي صنع الله بهم من تزاور الشّمس وقرضها حالتي الطّلوع والغروب مع كونهم في معرض شعاعها آية ﴿مِنْ آياتِ اللهِ﴾ العجيبة الدالة على كمال علمه تعالى وقدرته وإكرامه المؤمنين به الموحّدين له.
ثمّ بيّن سبحانه حسن نتائج التوحيد والإيمان ترغيبا إليه ، وسوء تبعات الشّرك زجرا عنه بقوله : ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ﴾ ويوفّقه لقبول توحيده ومعارفه ﴿فَهُوَ﴾ بالخصوص ﴿الْمُهْتَدِ﴾ إلى كلّ فلاح ونجاح وخير وسعادة في الدارين ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ﴾ عن الحقّ ويحرفه إلى الطريق الباطل بخذلانه ﴿فَلَنْ تَجِدَ﴾ يا محمّد ﴿لَهُ﴾ أبدا ﴿وَلِيًّا﴾ وناصرا و﴿مُرْشِداً﴾ وهاديا يهديه إلى الحقّ وطريق الصّواب. وفيه التّنبيه على أنّ إيمانهم حدوثا وبقاء بلطف الله وتوفيقه.
عن الصادق عليهالسلام في هذه الآية : « أنّ الله تبارك وتعالى يضلّ الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنّته » . الخبر (٤) .
﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ
باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
* وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى
__________________
(١) في النسخة : حيّا.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٤.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٥.
(٤) معاني الأخبار : ٢٠ / ١ ، التوحيد : ٢٤١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٥.