الخيط في فمها ، ونفذت في الخرزة حتى خرجت من الجانب الآخر. فقال سليمان : ما حاجتك ؟ قالت : تجعل رزقي في الفواكه. قال : لك ذلك ، فجمع سليمان بين طرفي الخيط وختمه ، ودفعها إليهم.
ثمّ طلب سليمان عليهالسلام الماء ، فأمر الغلمان والجواري أن يغسلوا وجوههم من الغبار ، ليميز بين الجواري والغلمان ، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها فتجعله في الاخرى ، ثمّ تضرب به وجهها ، والغلام كان يأخذه من الآنية ويضرب به وجهه (١) .
وأما الهدية ﴿فَلَمَّا جاءَ﴾ المنذر بها ﴿سُلَيْمانَ﴾ وقد قالت بلقيس : إن قبلها سليمان كان ملكا ، وإن ردّها كان نبيا ، ولذا ﴿قالَ﴾ سليمان عليهالسلام للمنذر وبلقيس تغليبا للحاضر على الغائبة أو للرسل : ﴿أَ تُمِدُّونَنِ﴾ وتقوّونني ﴿بِمالٍ﴾ لا اعتداد به ﴿فَما آتانِيَ اللهُ﴾ ووهب لي من الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعدي مع العلم والزّلفى والنبوة والمال ﴿خَيْرٌ﴾ وأفضل ﴿مِمَّا آتاكُمْ﴾ وأنعم عليكم من المال القليل والمتاع اليسير الدنيوي ، فلا حاجة لي إلى هديتكم ، ولا وقع لها عندي ﴿بَلْ أَنْتُمْ﴾ لحبّكم الدنيا وحطامها ﴿بِهَدِيَّتِكُمْ﴾ وما يهدى إليكم من المال ﴿تَفْرَحُونَ﴾ فليس لكم أن تستميلوا قلبي إليكم بالأموال.
روى بعض العامة عن الصادق عليهالسلام قال : « الدنيا أصغر قدرا عند الله وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بشيء منها أو يحزنوا عليه » (٢) .
وقيل : إنّه عليهالسلام بعد إنكاره عليهم إمداده بالمال ، أضرب عنه إلى توبيخهم بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه افتخارا وامتنانا واعتدادا بها (٣) .
وقيل : إنّ المعنى بل أنتم من حقّكم أن تأخذوا هديّتكم وتفرحوا بها (٤) .
﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ
صاغِرُونَ * قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
* قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ * قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ١٩٦.