ودوام السّلطنة إلى الموت (١)﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ﴾ ويتنبّه على ما يحكم به عقله ﴿أَوْ يَخْشى﴾ من عذابي ونكالي.
عن الكاظم عليهالسلام قال : « أمّا قوله : ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾ أي ليّناه في القول ، أو قولا له (٢) : يا أبا مصعب ، وكان [ اسم ] فرعون أبا مصعب ، وأمّا قوله : ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى﴾ فإنّما قال ذلك ليكون أحرص لموسى على الذّهاب ، وقد علم الله عزوجل أنّه لا يتذكّر ولا يخشى إلّا عند رؤية البأس» (٣).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام ما يقرب منه (٤) .
﴿قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى * قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما
أَسْمَعُ وَأَرى * فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا
تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٥) و (٤٧)﴾
روي أنّه أوحي إلى هارون وهو بمصر أن يتلقّى موسى عليهالسلام (٥) . وقيل : سمع بإقباله فتلقّاه (٦) ، فلمّا أخبره موسى عليهالسلام بالأمر ﴿قالا﴾ عند ذلك : ﴿رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ﴾ من ﴿أَنْ يَفْرُطَ﴾ ويعجّل ﴿عَلَيْنا﴾ بالعقوبة ، ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة ﴿أَوْ أَنْ يَطْغى﴾ زيادة على طغيانه السابق إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جرأته وقساوته.
﴿قالَ﴾ الله تسلية لهما : ﴿لا تَخافا﴾ منه ﴿إِنَّنِي﴾ بحفظي ونصرتي ﴿مَعَكُما﴾ وإنّي ﴿أَسْمَعُ﴾ كلامكم ﴿وَأَرى﴾ عملكم ﴿فَأْتِياهُ﴾ واحضرا عنده ﴿فَقُولا﴾ له بدو الملاقاة : ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ إليك ليعرف شأنكما ، ثمّ قولا له : إذا عرفتنا بالرسالة ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وأطلقهم من قيد الأسر والعبوديّة حتى نذهب بهم إلى الأرض المقدّسة التي كانت موطن آبائهم ﴿وَلا تُعَذِّبْهُمْ﴾ بتذليلهم وتبعيدهم وتحميل المشاقّ عليهم ، فإن تكن في شكّ من رسالتنا فإنّا ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ﴾ عظيمة ومعجزة قاهرة ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ للدّلالة على صدقنا في ادّعائنا ، ثمّ رغّبوه في الإيمان بقولهم : ﴿وَالسَّلامُ﴾ والتحيّة المستتبعة بسلامة الدارين والعافية الأبديّة من الله تعالى ﴿عَلى مَنِ﴾ استسلم لما جاءنا و﴿اتَّبَعَ الْهُدى﴾ والرّشاد الذي جاءه من ربّه.
روي أنّ موسى عليهالسلام وعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم ، وملكا لا ينزع منه إلّا بالموت ، وبقاء لذّة المطعم والمشرب والمنكح عليه إلى انقضاء أجله ، فإذا مات دخل الجنّة ، فأعجبه ذلك ، وكان
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٥٨ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٨.
(٢) في العلل : أي كنّياه وقولا له.
(٣) علل الشرائع : ٦٧ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٨.
(٤) الكافي ٧ : ٤٦٠ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٨.
(٥ و٦) تفسير أبي السعود ٦ : ١٧.