الذي خلق برحمته جميع الموجودات قيل : إنّ المراد بالسجدّة هنا الصلاة (١)﴿قالُوا﴾ اعتراضا على النبيّ صلىاللهعليهوآله ما تقول ﴿وَمَا الرَّحْمنُ﴾ وأي شيء هو ؟ فانّا لا نعرف أن يكون اسما لشيء ﴿أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا﴾ بالسجود له مع عدم معرفتنا إيّاه ، لا نطيعك في ذلك ﴿وَزادَهُمْ﴾ الأمر بالسجود للرحمن ﴿نُفُوراً﴾ وانزجارا عن الايمان.
روي أن أبا جهل قال : إنّ الذي يقوله محمّد شعر. فقال صلىاللهعليهوآله : « الشعر غير هذا ، إن هذا إلّا كلام الرحمن » فقال أبو جهل : بخ بخ ، لعمري والله إنّه لكلام الرحمن الذي باليمامة ، هو يعلّمك. فقال صلىاللهعليهوآله : « الرحمن الذي هو إله السماء ، ومن عنده يأتيني الوحي » فقال : يا آل غالب ، من يعذرني من محمد ، يزعم أنّ الله واحد ، وهو يقول : الله يعلّمني والرحمن ، أ لستم تعلمون أنّهما إلهان ؟ ثمّ قال : « ربّكم الله الذي خلق هذه الأشياء ، أمّا الرحمن فهو مسيلمة » (٢) . قيل : فسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله وعليّ وجماعة الصحابة ، ولمّا رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين ، فهذا هو المراد من قوله : ﴿وَزادَهُمْ نُفُوراً﴾ أي فزادهم سجودهم نفورا (٣) .
﴿تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦١) و (٦٢)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله نفورهم عن السجود له ، بيّن كمال عظمته الموجبة لسجود جميع الموجودات له بقوله : ﴿تَبارَكَ﴾ وتعالى ، أو تكاثر خير الإله ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ بقدرته وحكمته ﴿فِي السَّماءِ﴾ لنفع الناس ﴿بُرُوجاً﴾ ومنازل الكواكب السبعة السيارة.
وعن ابن عباس : البروج : هي الكواكب العظام (٤) .
﴿وَجَعَلَ فِيها﴾ لهذا العالم المظلم ﴿سِراجاً﴾ وشمسا مضيئة ﴿وَقَمَراً مُنِيراً﴾ بالليل ﴿وَهُوَ﴾ القادر ﴿الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً﴾ وذوي عقبة يعقب كلّ منهما الآخر ، ويأتي خلفه.
وعن ابن عباس : جعل كلّ واحد منهما يخلف صاحبه في ما يحتاج أن يعمل فيه ، فمن فرط في عمل أحدهما قضاه في الآخر (٥) .
وعن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعمر بن الخطاب : وقد فاتته قراءة القرآن بالليل : يا بن الخطاب ، لقد أنزل الله فيك آية ، وتلا : ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ...﴾ ما فاتك من
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٣٥.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٦.
(٤و٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٦.