على وجوده ، كذا قيل (١) .
ثمّ أعلم أنّ بالتفسير الذي ذكرنا للمظلوم ، يندفع الاعتراض على الآية بأنّها تدل على أن موجب جواز القتل منحصر في كون المقتول مظلوما ، مع أنّ سببه غير منحصر فيه ، بل له أسباب كثيرة كالكفر بعد الايمان وكثير من المعاصي التي حدّها (٢) القتل.
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ
الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن إتلاف النفوس نهى عن إتلاف مال اليتامى الذين هم أضعف الضعفاء بقوله : ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ﴾ ولا تتصرّفوا فيه بطريقة من الطرق وخصلة من الخصال ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الطّرق والخصال ، وهو التصرّف الذي لا يكون فيه إفساد والذي تكون فيه الغبطة ، وكونوا مستمرّين على ذلك ﴿حَتَّى يَبْلُغَ﴾ اليتيم ﴿أَشُدَّهُ﴾ وكمال قواه وعقله ورشده.
ثمّ أكّد العمل بالأحكام المذكورة التي هي عهود الله بقوله : ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ الذي بينكم وبين ربّكم من العمل بأحكامه والنّذر واليمين ، أو بينكم وبين الناس كالبيوع وغيرها من المعاملات.
ثمّ هدّد سبحانه على مخالفته بقوله : ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كانَ﴾ يوم القيامة عنه ﴿مَسْؤُلاً﴾ حين المحاسبة قيل : إنّه بتقدير المضاف ، والمعنى أنّ صاحب العهد (٣) .
وقيل : المسؤول بمعنى المطلوب ، والمراد أنّه يطلب من المعاهد أن يفي به (٤) . وقيل : إنّه فرض العهد شخصا عاقلا يسأل عنه ، ويقال له : لم يوف بك ، تبكيتا للناكث (٥) .
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
* وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ
مَسْؤُلاً (٣٥) و (٣٦)﴾
ثمّ بعد إيجاب الوفاء بالعهد ، أوجب سبحانه إيفاء الحقوق بقوله : ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ وأتمّوه ﴿إِذا كِلْتُمْ﴾ لمستحقّه ولا تخسروه حين عاملتم بالكيل ﴿وَزِنُوا﴾ ما عاملتموه بالوزن ﴿بِالْقِسْطاسِ﴾ والميزان ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ والعدل السويّ.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٩٩.
(٢) في النسخة : حدّه.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٠٦.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٠٦.