ثمّ أنّه عليهالسلام بعد سؤال العزّ الدنيوي لنفسه ، سأل الاخروي منه بقوله : ﴿وَلا تُخْزِنِي﴾ ولا تهنّي بحطّ درجتي في الجنّة عن درجة غيري ، وبعتابي على ترك ما هو الأولى منّي ، أو لا تفضحني بين الناس باظهاره ، أو لا تخجلني عندهم ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ من القبور إلى المحشر ويجتمعون فيه ، وإنّما كان سؤاله هذا مع علمه بأنّ الله لا يخزي النبيّ لهضم النفس وإظهار العبودية والحاجة وتعليم العباد وحثّهم على الاقتداء به.
﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ
لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٨٨) و (٩١)﴾
ثمّ بيّن عظمة ذلك اليوم بقوله : ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ﴾ أحدا في نجاته من أهواله ، وإن صرفه في الدنيا في وجوه الخيرات ﴿وَلا بَنُونَ﴾ نفسا في خلاصها من العذاب بالنصرة والشفاعة
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ﴾ فيه ﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وبريء من العقائد الفاسدة والأخلاق الرذيلة والشهوات النفسانية ، أو أمن فتنة المال والبنين ، أو من حبّ الدنيا.
عن الصادق عليهالسلام : « هو القلب السليم من حبّ الدنيا » (١) .
وعنه عليهالسلام : « صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم ، لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله تعالى في الأمور كلّها » ثمّ تلا هذه الآية (٢) .
وعنه عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه » قال : « وكلّ قلب فيه شرك أو شكّ فهو ساقط ، وإنّما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة»(٣).
وقيل : إنّه انقطع كلام إبراهيم بقوله : ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ ووصف اليوم من كلام الله ردّا على الكفار الذين قالوا : نحن أكثر أموالا وأولادا ، فأخبر بأنّهما لا ينفعان من لا سلامة لقلبه في الدنيا ، وأما من سلم قلبه فتنفعه خيراته وأولاده فاذا مات ابنه قبله يكون له ذخرا وأجرا ، وأن تخلّف بعده فانّه يذكره بصالح دعائه ويتوقّع منه شفاعته (٤) .
وقال بعض العامة : القلب السليم من بغض أهل بيت النبي وأزواجه وأصحابه (٥) .
وقيل : إنّ القلب السليم هو القلب القلق المضطرب من خشية الله ، كالذي لدغته الحية (٦) .
﴿وَأُزْلِفَتِ﴾ وقرّبت فيه ﴿الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ من موقفهم لينظروا إليها ويفرحوا بأنّهم يدخلونها
__________________
(١) مجمع البيان ٧ : ٣٠٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٤١.
(٢) مصباح الشريعة : ٥٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٤١.
(٣) الكافي ٢ : ١٣ / ٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٤١.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٧.
(٥و٦) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٨.