الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١)﴾
ثمّ كأنّه تعالى قال : اعملوا بأحكامي حال كونكم ﴿حُنَفاءَ﴾ ومخلصين ﴿لِلَّهِ﴾ مائلين عن كلّ باطل إلى التوحيد والدين الحقّ ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ شيئا في الالوهيّة والعبادة.
ثمّ بيّن سبحانه غاية ضرر الشرك وكونه سببا للهلاكة الأبديّة بضرب مثلين بقوله : ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ﴾ غيره في الالوهيّة أو العبادة ﴿فَكَأَنَّما خَرَّ﴾ وسقط ذلك المشرك ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ على الأرض فهلك بالفور ﴿فَتَخْطَفُهُ﴾ وتختلسه ﴿الطَّيْرُ﴾ بسرعة من الأرض فتفرّقه وتمزّقه وتمحي أثره ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ﴾ العاصفة وتسقطه من جبل شامخ ﴿فِي مَكانٍ سَحِيقٍ﴾ وبعيد عن محلّ سقط منه ، أو عن من يغيثه فلا يراه أحد ولا يسمع صوته ، فشبّه سبحانه التوحيد في علوّ رتبته بالسماء ، والمشرك بالساقط منها على الأرض في تنزّله وهلاكه ، والأهواء التي تتوزّع أفكاره بالطّير الّذي تخطفه ، والشيطان المطرح له في وادي الضلال بالرّيح العاصفة التي عصفت به في المهاوي المتلفة.
﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)﴾
ثمّ قرّر سبحانه ذلك بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الذي ذكرت حقّ ثابت ، أو الأمر أو الشأن ذلك الذي ذكرت ، ثمّ حثّ سبحانه الناس على العمل وطاعة الأحكام بقوله : ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ﴾ ويهتمّ بالعمل بمعالم الحجّ وعلائم دينه من الهدايا والقلائد بأن يختار لها جساما حسانا سمانا غالية الأثمان ، معتقدا بأنّ طاعة الله في التقرّب بها وإهدائها الى بيته المعظّم [ فإنّها ] ناشئة (١) ، ﴿مِنْ تَقْوَى﴾ الذّي مركزه في ﴿الْقُلُوبِ﴾ أو المراد أنّ تعظيمها من أعمال ذوي تقوى القلوب.
القميّ قال : تعظيم البدن جودتها (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « إنّما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف ؛ لأنّه أعظم ما يكون ، قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ﴾ إلى آخره (٣) .
وعنه عليهالسلام في قصّة حجّة الوداع : « وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآله أربعة وستّين أو ستّة وستّين ، وجاء علي عليهالسلام بأربعة وثلاثين أو ستّة وثلاثين » (٤) .
وروى بعض العامة أنّه أهدى رسول الله صلىاللهعليهوآله مائة بدنة فيها جمل أبي جهل ، وكان في أنفه برة (٥) من
__________________
(١) في النسخة : ناش.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٨٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٨ ، وفيها : وجودتها.
(٣) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٨.
(٤) الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٨.
(٥) البرة : حلقة تجعل في أنف الناقة.