يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ ولم يعارضهم ، بل هاجر من بلدهم وذهب إلى الأرض المقدّسة ﴿وَهَبْنا لَهُ﴾ بدل أقربائه الكفرة ﴿إِسْحاقَ﴾ من صلبه بعد إسماعيل ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ من إسحاق ﴿وَكُلًّا﴾ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿جَعَلْنا نَبِيًّا﴾ وهذا من أفضل المواهب وأعظم النّعم ﴿وَوَهَبْنا لَهُمْ﴾ مع منصب النبوّة كلّ خير ﴿مِنْ رَحْمَتِنا﴾ وفضلنا.
وعن العسكري عليهالسلام : « ووهبنا لهم - يعني لإبراهيم وإسحاق ويعقوب - من رحمتنا رسول الله » ﴿وَجَعَلْنا لَهُمْ﴾ في النّاس إلى آخر الدهر ﴿لِسانَ صِدْقٍ﴾ وثناء جميلا ﴿عَلِيًّا﴾ ورفيعا. عن العسكري عليهالسلام : « يعني أمير المؤمنين عليهالسلام » (١) .
فلم يتضرّر إبراهيم عليهالسلام من هجر الأقارب في الله ، بل انتفع به أعلى المنافع الدنيويّة والاخروية.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنادَيْناهُ مِنْ
جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥١) و (٥٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان مواهبه لابراهيم عليهالسلام وإلطافه به ، ذكر مواهبه لموسى عليهالسلام بقوله : ﴿وَاذْكُرْ﴾ يا محمّد لقومك ، واتل عليهم ﴿فِي الْكِتابِ﴾ الكريم ﴿مُوسى﴾ بن عمران بن يصهر بن لاوي بن يعقوب ﴿إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً﴾ أخلصه الله للعبوديّة وبرّأة من الشرك والأخلاق الرّذيلة والنقائص الخلقيّة والخلقية ﴿وَكانَ رَسُولاً﴾ من الله إلى عباده و﴿نَبِيًّا﴾ ينبّئهم بما اوحي إليه ، وإنّما أخّر ذكر نبوّته عن ذكر رسالته مع كونها أخصّ وأرفع ؛ لأنّ الإنباء بما اوحي إليه بعد إرساله ، ولرعاية الفواصل.
عن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية : ما الرسول وما النبيّ ؟ فقال : « النبيّ الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يرى الملك ، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك » (٢) .
﴿وَنادَيْناهُ﴾ حين رجوعه من مدين يريد مصر ، وكلّمناه بصوت عال ﴿مِنْ جانِبِ الطُّورِ﴾ وناحيته التي كانت في الطّرف ﴿الْأَيْمَنِ﴾ منه ، أو من موسى عليهالسلام ﴿وَقَرَّبْناهُ﴾ إلينا تقريب تشريف حيث اخترناه لرفعة مقامه وعلوّ منزلته عندنا ﴿نَجِيًّا﴾ ومخاطبا بنحو المناجاة والمسارّة ، فشبّه سبحانه حال موسى عليهالسلام بحال من قرّبه الملك لمناجاته واصطفاه لمصاحبته.
وقيل : إنّ المنجي من النّجاة ، والمعنى قرّبناه حال كونه نجيّا من أعدائه (٣) ، مستخلصا من مكائدهم
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٥١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٤.
(٢) الكافي ١ : ١٣٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٤.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣١.