كأنها سرادق و﴿أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها﴾ وفساطيطها. قيل : إن سرادق ستر يدار به حول الخيمة (١) .
عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « سرادق النار أربعة جدر كثف ، كلّ جدار مسيرة أربعين سنة » (٢) .
وعن ابن عبّاس : هو الدّخان الذي قال الله : ﴿انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ﴾(٣) .
﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا﴾ ويطلبوا الماء من العطش ﴿يُغاثُوا﴾ ويؤتوا بعد استغاثتهم ﴿بِماءٍ﴾ جار ﴿كَالْمُهْلِ﴾ والحديد المذاب ، أو النحاس ، أو الذهب المذاب ، أو الصّديد وقيح أهل جهنّم ، أو القطران ، أو درديّ (٤) الزيت المغلي ، يعني يجعل المهل لهم مكان الماء الذي طلبوه ، وإطلاق الماء عليه من باب التهكّم ، فإذا قدّم إليهم ليشربوه ﴿يَشْوِي﴾ ويحرق ﴿الْوُجُوهَ﴾ من فرط حرارته. عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه » (٥) . ﴿بِئْسَ الشَّرابُ﴾ ذلك الماء المحرق ﴿وَساءَتْ﴾ النّار من حيث كونها ﴿مُرْتَفَقاً﴾ ومتّكأ ، أو منزلا ، أو مستراحا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ
ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ
نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣٠) و (٣١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد الكفّار بسوء عاقبة الكفر بشّر المؤمنين بحسن عاقبة الإيمان بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله والدّار الآخرة ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ وفعلوا العبادات الخالصات ، نؤتيهم أجرا عظيما ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ﴾ ولا نبطل ﴿أَجْرَ﴾ كلّ ﴿مَنْ أَحْسَنَ﴾ وأخلص ﴿عَمَلاً﴾ لمنافاته الحكمة المقتضية لإعطاء كلّ مستحقّ حقّه.
ثمّ شرح الأجر بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنون الصالحون ﴿لَهُمْ﴾ بالاستحقاق ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وخلد ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ﴾ وتحت غرفهم وقصورهم ﴿الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، أو الأربعة المعهودة ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ ويزيّنون ﴿فِيها﴾ بأنواع ﴿مِنْ أَساوِرَ﴾ جنسها ﴿مِنْ ذَهَبٍ﴾ عن سعيد بن جبير : يحلّى
__________________
(١ و٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٤١.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٧١٩ ، تفسير الرازي ٢١ : ١٢٠ ، ونسبه إلى بعضهم ، والآية من سورة المرسلات : ٧٧ / ٣٠.
(٤) الدرديّ : ما رسب أسفل الزيت أو نحوه من كل شيء مائع.
(٥) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٢٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٤١ ، والفروة : الجلدة ذات الشعر.