نُوحاً إِلى قَوْمِهِ﴾ ليدعوهم إلى التّوحيد وعبادة الله ﴿فَقالَ﴾ داعيا لهم باللّطف ولين القول : ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ الّذي خلقكم وأنعم عليكم بعظائم النّعم ، ولا تشركوا به شيئا في الالوهيّة والعبادة ، لأنّه ﴿ما لَكُمْ﴾ في عالم الوجود ﴿مِنْ إِلهٍ﴾ ومعبود مستحقّ للعبادة ﴿غَيْرُهُ﴾ تعالى ، لأنّ كلّ ما سواه مخلوقون له ومربوبون ﴿أَ فَلا تَتَّقُونَ﴾ ولا تخافون أن يسلب عنكم نعمه وينزّل عليكم عذابة ﴿فَقالَ الْمَلَأُ﴾ والأشراف ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾ لأتباعهم والسّفلة منهم ، توهينا لنوح عليهالسلام وحطّا له عن قابليّة (١) الرّسالة ، وحثّا لهم على الإعراض عنه ما هذا الرّجل ﴿إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ خلقا وخلقا وأعمالا ، لا مزيّة له عليكم توجب أن يختاره الله تعالى لهذا المنصب ، ومع ذلك ﴿يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ﴾ ويتفوّق ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بادّعاء الرّسالة ، ويجعلكم أتباعه ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ﴾ إرسال رسول ﴿لَأَنْزَلَ﴾ من السّماء ﴿مَلائِكَةً﴾ بالرّسالة إليكم من قبله لأقربيّة قولهم إلى القبول ، وكونهم مطيعين له ﴿ما سَمِعْنا بِهذا﴾ الذي يدّعيه هذا الرّجل من رسالة البشر وتوحيد المعبود ﴿فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ وكبرائنا الماضين ، وإنّما قالوا ذلك للإفراط في تكذيبه وعناده ، أو لطول الفترة بين إدريس عليهالسلام الذي كان نبيّا ظاهرا وبين نوح عليهالسلام.
﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ
* فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ
فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا
تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى
الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي
مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٥) و (٢٩)﴾
ثمّ بالغوا في توهينه وتكذيبه بقوله : ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ واختلال عقل ، ولذا يقول ما يقول خلافا لأكثر النّاس ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ﴾ واصبروا على ما يقوله وانتظروا ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ موته فتستريحون منه ، أو انتظروا إلى وقت إفاقته من الجنون ، فيكفّ عن أباطيله ، فلمّا يئس نوح عليهالسلام من إيمانهم وعال صبره (٢) على إيذائهم ﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي﴾ على هؤلاء المكذّبين بتعجيلك في إهلاكهم بالعذاب جزاء ﴿بِما كَذَّبُونِ﴾ ونسبتهم إيّاي إلى الجنون ﴿فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ﴾ إجابة لدعائه ﴿أَنِ﴾ يا نوح ﴿اصْنَعِ
__________________
(١) كذا ، ولعلّه يريد درجة استحقاق الرسالة.
(٢) أي نفد.