أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٣٩) و (١٤٥)﴾
ثمّ حكى سبحانه إهلاكهم بتكذيب هود بقوله : ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ وأصرّوا على إنكار رسالته عنادا ولجاجا ﴿فَأَهْلَكْناهُمْ﴾ بسبب تكذيبهم إيّاه بريح صرصر عاتية ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الإهلاك ﴿لَآيَةً﴾ وعبرة عظيمة ﴿وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.﴾
ثمّ ذكر سبحانه قصة صالح بقوله : ﴿كَذَّبَتْ﴾ قبيلة يقال لها ﴿ثَمُودُ﴾ لأنّهم أولاد ثمود بن عبيد بن عوص بن عاد كما قيل (١)﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ كلّهم ﴿إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ﴾ وواحد منهم يقال له ﴿صالِحٌ﴾ نصحا : يا قوم ﴿أَ لا تَتَّقُونَ﴾ الله ولا تخافون عذابه على عبادة غيره ؟ ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من قبل الله ﴿أَمِينٌ﴾ على وحيه ، أو مشهور بينكم بالأمانة والصدق ، فاذا سلّمتم ذلك ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ في مخالفتي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في ما أدعوكم إليه ، فانّ وظيفتي الدعاء إلى التوحيد ﴿وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ وجعل ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ وجعلي ، وما جزاء عملي ﴿إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ.﴾
﴿أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها
هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا
تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قالُوا
إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (١٤٦) و (١٥٤)﴾
ثمّ وبّخ قومه بطول الأمل وإنكار المعاد وكفران نعم الله بقوله : ﴿أَتُتْرَكُونَ﴾ وهل تطمعون أن تبقوا (٢)﴿فِي ما هاهُنا﴾ من الديار والعقار والنّعم حال كونكم ﴿آمِنِينَ﴾ ومحفوظين من الآفات والموت والمجازاة على كفرانه ؟ (٣) لا يكون ذلك أبدا.
ثمّ فسر الموصول وفصّل النّعم بقوله : ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وبساتين كثيرة الأشجار والثّمار ﴿وَعُيُونٍ﴾ وأنّهار أو آبار كثيرة الماء.
قيل : إنّهم لم يكن لهم أنهار جارية (٤) . وقيل : كانت لهم في الصيف لأنّهم كانوا يخرجون في الصيف إلى القصور والكروم والأنهار ، وأما في الشتاء فلم يكن لهم إلّا الآبار (٥) .
﴿وَزُرُوعٍ﴾ كثيرة من الحنطة وسائر الحبوبات النافعة ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُها﴾ وما يخرج منها من غلاف
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩٧.
(٢) في النسخة : تبقون.
(٣) زاد في النسخة : بعده.
(٤و٥) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩٧.