ثمّ سلّى سبحانه قلبه الشريف بقوله : ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ﴾ جنابك به من الجنون والشّعر والكهانة فنجازيهم أسوأ الجزاء.
ثمّ لمّا كان الطيش وقلّة الصبر من الشيطان ، أمره بالاستعاذة منه بقوله : ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ﴾ ووساوسهم المغوية على خلاف رضاك ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِ﴾ من ﴿أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ عندي ويحومون حولي في حال الغضب والرضا والشدّة والرّجاء وغيرهما.
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه كان عند استفتاح الصلاة يقول : « لا إله إلّا الله » ثلاثا ، « والله أكبر » ثلاثا ، و « اللهمّ إني أعوذ بك من همزات الشياطين ولمّها (١) ونفثها ونفخها ، وأعوذ بك ربّ أن يحضرون » (٢) .
﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما
تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٩٥) و (١٠٠)﴾
ثمّ هدّد المشركين على استمرارهم في وصف النبيّ صلىاللهعليهوآله بما ليس فيه بقوله : ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ وعاين أحوال البرزخ ﴿قالَ﴾ تحسّرا على ما فرّط فيه من الايمان والعمل الصالح : يا ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ إلى الدنيا ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ﴾ وفي زمان قصّرت في الايمان والعمل من أيام عمري في الدنيا.
قيل : إن خطاب الله بلفظ الجمع للتعظيم (٣) .
وقيل : إنّ ذكر الربّ قسم (٤) ، وخطاب ﴿ارْجِعُونِ﴾ للملائكة ، والظاهر أنّ المراد من ( أحدهم ) الكفّار. وقيل : إنّه يعمّ المؤمنين المقصّرين (٥) .
عن الضحاك قال : كنت جالسا عند ابن عباس ، فقال : من لم يزكّ ولم يحجّ سأل الرجعة عند الموت ، [ فقال ابن عباس رضى الله عنه : أنا أقرأ عليك به قرآنا ] فيقول : ﴿رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(٦) .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إذا حضر الانسان الموت جمع كلّ شيء كان يمنعه من حقّه بين يديه ، فعنده يقول : ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ﴾(٧) .
__________________
(١) في تفسير روح البيان : الشياطين من همزها. وفي تفسير الرازي : الشياطين همزه ونفثه ونفخه.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٠٤.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٠٥.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ١٠٦.
(٦) المنافقون : ٦٣ / ١٠.
(٧) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٩.