الخصيصون من أهل الكتاب كعبد الله بن سلّام وورقة بن نوفل وأضرابهما ﴿إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ هذا القرآن الذي تستهزئون به وتقولون إنّه كلام البشر وأساطير الأولين ﴿يَخِرُّونَ﴾ على الأرض ﴿لِلْأَذْقانِ﴾ ويسقطون على الوجوه حال كونهم ﴿سُجَّداً﴾ لله تشكّرا على إنجاز وعده وإتمام نعمته ﴿وَيَقُولُونَ﴾ في سجودهم : ﴿سُبْحانَ رَبِّنا﴾ وتنزّه إلهنا اللطيف بنا عن الخلف في الوعد ﴿إِنْ﴾ الشأن ﴿كانَ وَعْدُ رَبِّنا﴾ ببعث محمّد صلىاللهعليهوآله في آخر الزمان ، وإنزال الكتاب الذي هو أفضل الكتب عليه ، أو وعده بالمعاد والحشر للحساب كما قيل ﴿لَمَفْعُولاً﴾ ومنجزا البتة وواقعا لا محالة ، لاستحالة الخلف منه (١) ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ﴾ عند استماع القرآن وهم ﴿يَبْكُونَ﴾ من خشية الله ومواعظه ، ﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾ سماع القرآن ﴿خُشُوعاً﴾ وضراعة ، كما يزيدهم علما وعرفانا بالله ، ويقينا بصدق نبيه وجلالة كتابه ، فاذا كان حال العلماء عند استماع القرآن وتلاوته هذا ، فأيّ اعتناء بتكذيب هؤلاء السّفلة الحمقاء ؟
﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه خضوع العلماء وتضرّعهم إليه ، بيّن كيفية الدعاء وتسميته بقوله : ﴿قُلِ﴾ يا محمّد ، لمن يدعو الله ﴿ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ﴾ لا تفاوت بين الاسمين ﴿أَيًّا﴾ من الاسمين ﴿ما تَدْعُوا﴾ وتقولوا في دعائكم كان حسنا مرضيا عند الله ، بل عليكم أن تخصّوه بهذين الاسمين ﴿فَلَهُ﴾ بالخصوص ﴿الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾ لأنّ له الصفات العليا.
روي أنّ اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّك لتقلّ ذكر الرحمن ، وقد أكثره الله في التوراة ، فنزلت(٢) .
وقيل : إنها نزلت حين سمع المشركون رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « يا الله ، يا رحمن » فقالوا : إنّه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر (٣) .
ثمّ أنه تعالى بعد تعليم كيفية دعائه وتسميته ، بيّن كيفية قراءة القرآن بقوله : ﴿وَلا تَجْهَرْ﴾ ولا تعل بصوتك ﴿بِصَلاتِكَ﴾ وقراءتك فيها ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ بحيث لا تسمع نفسك ﴿وَابْتَغِ﴾ واطلب في كيفية القراءة ﴿بَيْنَ ذلِكَ﴾ المذكور من النحوين ﴿سَبِيلاً﴾ وطريقة.
عن ابن عبّاس ، في هذه الآية ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يرفع صوته بالقرآن (٤) ، فاذا سمعه المشركون
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢١١.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٢.
(٣) تفسير الصافي ٣ : ٢٢٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢١٢.
(٤) في تفسير الرازي : بالقراءة.