عافاني الله لأجلدنّك مائة جلدة ، وقال عند ذلك : ربّ ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ يعني من طمع إبليس في سجودي له وسجود زوجتي ودعائه إيّاها وإيّايّ إلى الكفر (١) .
وعنه أيضا : أنّ امرأة أيّوب كانت تعمل للنّاس وتأتيه بقوته ، فلمّا طال عليه البلاء سئمها الناس ولم يستعملوها ، فالتمست [ ذات ] يوم شيئا من الطّعام فلم تجد ، فجزّت من رأسها قرنا فباعته برغيف فأتته به ، فقال لها : أين قرنك ؟ فأخبرته بذلك. فحينئذ قال : ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾(٢) .
وقيل : كان لها ثلاث ذوائب ، فقطعت إحداهما ، فباعتها بخبز ولحم ، فجاءت إلى أيّوب عليهالسلام فقال : من أين هذا ؟ فقالت : كل فإنّه حلال ، فلمّا كان [ من ] الغد لم تجد شيئا فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث ، وقالت : كل ، فقال : لا آكل ما لم تخبريني فأخبرته ، فبلغ ذلك من أيّوب ما الله أعلم به (٣) .
وقيل : إنّ إبليس تمثّل للقوم في صورة بشر وقال : لئن تركتم أيّوب في القرية تتعدّى إليكم علّته ، فأخرجوه إلى باب القرية ، ثمّ قال لهم : إنّ امرأته تدخل بيوتكم وهي تمسّ زوجها ، فإن تعمل لكم تتعدّى إليكم علّته ، ولذا لم يستعملها أحد ، فباعت ضفيرتها (٤) .
وقيل : سقطت دودة من فخذ أيّوب ، فرفعها وردّها إلى موضعها ، وقال : جعلني الله طعمة لك ، فعضّته عضّة شديدة فقال : ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ فأوحى الله إليه : لو لا أنّي جعلت تحت كلّ شعرة منك صبرا لما صبرت (٥) .
﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا
وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)﴾
ثمّ أخبر سبحانه بإجابة دعائه بقوله : ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ﴾ دعاءه ﴿فَكَشَفْنا﴾ وأزلنا ﴿ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ ومرض.
قيل : أوحى الله إليه : ارفع رأسك فقد استجبت لك ، اركض برجلك الأرض. فركض برجله ، فنبعت عين ماء ، فاغتسل منها ، فلم تبق في بدنه دابّة إلّا سقطت منه عليهالسلام ، ثمّ ضرب برجله مرّة اخرى فنبعت عين اخرى ، فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلّا خرج ، وقام صحيحا ، وعاد إليه شبابه وجماله ، حتى صار أحسن ما كان ، ثمّ كسي حلّة (٦) .
﴿وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ﴾ وولده ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ قيل : لمّا قام جعل يلتفت فلا يرى شيئا من أهله وولده
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٨.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٧.