وعن الصادق ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « ما أنزل الله تبارك وتعالى كتابا ولا وحيا إلّا بالعربية ، فكان يقع في مسامع الأنبياء بألسنة قومهم ، وكان يقع في مسامع نبينا صلىاللهعليهوآله بالعربية ، فاذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربية ، فيقع في مسامعهم بلسانهم ، وكان احد (١) لا يخاطب رسول الله صلىاللهعليهوآله بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربية كلّ ذلك يترجم جبرئيل عليهالسلام عنه تشريفا من الله عزوجل له » (٢) .
﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ * أَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ *
وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذلِكَ
سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ *
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (١٩٦) و (٢٠٣)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على نزول القرآن منه بقوله : ﴿وَإِنَّهُ﴾ بمعناه وأوصافه وعلائمه ﴿لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ وكتب الأنبياء السابقين ، فانّه تعالى أخبر فيها بنزوله على النبي المبعوث في آخر الزمان ، أو المراد أنّ ذكر النبي كان في الكتب السابقة كما روي أنّ أهل مكة بعثوا إلى يهود المدينة يسألونهم عن محمّد صلىاللهعليهوآله وبعثته ، فقالوا : إنّ هذا لزمانه ، وإنّا نجد في التوراة نعته وصفته (٣) ، فنزل ﴿أَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً﴾ ودلالة على صدق محمد صلىاللهعليهوآله وصحّة كتابه ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ﴾ ويشهد بصدق نبوته أو كتابه ﴿عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ كعبد الله بن سلّام وأضرابه من أحبارهم.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ قريش مع كون القرآن نازلا بلسان عربي مقترنا بشواهد الصدق كفروا به بقوله :
﴿وَلَوْ نَزَّلْناهُ﴾ بهذه الفصاحة التي عجّزت العرب عن إتيان مثله ﴿عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾ الجاهلين بلغة العرب
﴿فَقَرَأَهُ﴾ ذلك الأعجمي ﴿عَلَيْهِمْ﴾ قراءة صحيحة خارقة للعادة ﴿ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ أيضا لفرط عنادهم ولجاجهم مع انضمام القراءة إلى إعجاز العبارة مع عدم احتمال كونه من تقوّلات الأعجميّ.
وقيل : إنّ المراد لو أنزلنا هذا القرآن بلسان العجم على رجل أعجمي فقرأه على قريش ، لامتنعوا من الايمان به اعتذارا بعدم فهمه ، فأنزلناه بلسانهم قطعا لعذرهم ، ومع ذلك لا يؤمنون به (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لو نزلنا (٥) القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به
__________________
(١) في علل الشرائع : أحدنا.
(٢) علل الشرائع : ١٢٦ / ٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٥١.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٠٧ و٣٠٨.
(٤) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٦٥.
(٥) في تفسير القمي : انزل.