﴿أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ
الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٥) و (١١٦)﴾
ثمّ وبّخهم سبحانه على إنكارهم البعث مع دلالة البرهان القاطع عليه وغفلتهم عنه بقوله : ﴿أَ فَحَسِبْتُمْ﴾ قيل : التقدير أغفلتم عن البعث فحسبتم (١)﴿أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً﴾ ولعبا بلا حكمة وصلاح ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ بل تموتون وتفتّتون (٢) .
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ، ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لاظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ، ولا ليدفع بهم مضرّة ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى النعيم » (٣) .
وعنه عليهالسلام أنّه قيل له : خلقنا للفناء ؟ فقال : « خلقنا للبقاء ، وكيف وجنّته لا تبيد ، وناره (٤) لا تخمد ، ولكن [ قل : ] إنّما نتحوّل من دار إلى دار » (٥) .
ثّم نزّه سبحانه ذاته المقدسة عن العبث بقوله : ﴿فَتَعالَى اللهُ﴾ وارتفع بذاته عن العبث ، وتقدّس عن اللغو ، وتنزّه عن فعل ما لا حكمة فيه لأنّه ﴿الْمَلِكُ الْحَقُ﴾ والسلطان الحقيق بالسلطنة ، الغنيّ بذاته عمّا سواه ، وكلّ شيء محتاج إليه.
قيل : إنّ الحقّ هو الموجد للشيء بمقتضى الحكمة (٦) ، والثابت الذي لا يزول ذاته ، ولا يبيد ملكه وقدرته ، ولذا ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ ولا معبود سواه.
ثمّ قرّر كمال سلطنته واستحقاقه العبادة بقوله : ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ فكيف بما هو دونه وتحته ، وإنما وصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والبركات منه ، أو لانتسابه إلى الله الكريم.
وقيل : إنّ المراد بالعرش هنا السماوات وما فيها (٧) .
﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٧) و (١١٨)﴾
ثمّ هدّد المشركين بقوله : ﴿وَمَنْ يَدْعُ﴾ ويعبد ﴿مَعَ اللهِ﴾ المتفرّد بالالوهية ﴿إِلهاً﴾ ومعبودا ﴿آخَرَ﴾ مع أنّه ﴿لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ﴾ ولا حجّة على جواز عبادته ﴿فَإِنَّما حِسابُهُ﴾ وجزاؤه اللائق به
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ١١١.
(٢) في النسخة : وتفتّون.
(٣) علل الشرائع : ٩ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٢.
(٤) في علل الشرائع : وكيف تفنى جنة لا تبيد ، ونار.
(٥) علل الشرائع : ١١ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٢.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ١١٢.
(٧) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٨.