﴿إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ
لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها
وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧) و (٨)﴾
ثمّ شرع سبحانه في بيان قصة موسى عليهالسلام بقوله : ﴿إِذْ قالَ﴾ والتقدير اذكر يا محمّد إذ قال. وقيل : إنّ كلمة ( إذ ) متعلّقة بعليم (١) . والمعنى عليم بمقال موسى عليهالسلام ﴿إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ﴾ وزوجته بنت شعيب وأولاده حين رجوعه من مدين إلى مصر. وقد ضلّوا الطريق في الليلة المظلمة الباردة : يا أهلي ، قفوا مكانكم ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ وأبصرت من البعيد ﴿ناراً﴾ مشتعلة اريد أن أذهب إليها ، ولا يخلو ذهابي من أحد الأمرين : إما ﴿سَآتِيكُمْ مِنْها﴾ ومن الذين حولها ﴿بِخَبَرٍ﴾ عن حال الطريق ﴿أَوْ آتِيكُمْ﴾ منها ﴿بِشِهابٍ قَبَسٍ﴾ وشعلة مأخوذة من تلك النار ، إن لم أجد عندها أحدا ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ وتدفعون بحرّها عن أنفسكم البرد ، وإنما وعدهم بأحد الأمرين لقوّة رجائه بأنّه إن لم يظفر بكليهما يظفر بأحدهما ، لأنّه لا يجمع الله بين الحرمانين على عبده.
قيل : لم يكن معه إلّا زوجته ، فكنّى سبحانه عنها بالأهل ، ثمّ أتى بضمائر الجمع تبعا له (٢) .
وقيل : لمّا أقام زوجته عند جماعة كانوا هناك لتأنس بهم ، خاطبهم بضمائر الجمع.
وعلى أي تقدير خلّف أهله وذهب إلى النار ﴿فَلَمَّا جاءَها﴾ وقرب منها رأى شجرة مخضرة عليها نار لا تحرقها ولا تحرق أوراقها ، فعجب من ذلك ثمّ همّ أن يأخذ منها ، فلمّا رفع عصاه إلى رأس الشجرة نزلت إلى أصلها ، فلمّا أراد أن يأخذ من أصلها علت على الشجرة ، فبقي متفكّرا في أمرها ، فإذن ﴿نُودِيَ﴾ من الشجرة. وقيل له بصوت عال : ﴿أَنْ بُورِكَ﴾ وكثر خير ﴿مَنْ فِي﴾ البقعة المباركة التي هي مكان ﴿النَّارِ﴾ التي على الشجرة ﴿وَمَنْ حَوْلَها﴾ من أراضي الشام التي هي مبعث أنبياء الله ومحلّ أحيائهم وأمواتهم ومهبط الوحي إليهم (٣) .
عن ابن عباس : المعنى تبارك من في النور وهو الله ، ومن حولها يعني الملائكة (٤) .
أقول : لا بدّ من حمل كلامه على إرادة أنّ كلامه تعالى أو قدرته أو سلطانه أو عظمته في النّار ، وقيل : إنّ المراد ممّن في النار ، هو موسى عليهالسلام وحده (٥) . أو هو وجميع من كان في تلك البقعة ، ومن قوله
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ١٧١.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨١.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٧٣ و٢٧٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٢١.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨٢ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٣٧٤.