فضيلة له علينا ، مع أنّ الرسول لا بدّ أن يكون ملكا لا يأكل ولا يحتاج إلى ما نحتاج إليه.
ثمّ لو سلّمنا إمكان كون الرسول بشرا نقول : ﴿لَوْ لا أُنْزِلَ﴾ من قبل ربّه ﴿إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ من الملائكة على صورته المباينة لصورة الجنّ والإنس ﴿فَيَكُونَ﴾ ذلك الملك باتّفاق هذا الرسول و﴿مَعَهُ﴾ للناس ﴿نَذِيراً﴾ ومبلّغا عن الله ، وشاهدا له على رسالته حتى يعلم الناس صدقه ﴿أَوْ يُلْقى﴾ من السماء ﴿إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ ومال كثير مجتمع حتى ينفق منه على نفسه ، ويعيش بالسّعة ، وعلى الفقراء المؤمنين به ، وعلى غيرهم ، ترويجا لدينه ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ﴾ على فرض التنزيل ﴿جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها﴾ ويعيش بثمارها كواحد من الدهاقين حتى يخرج من ذلّ الفقر والحاجة ﴿وَقالَ الظَّالِمُونَ﴾ والمتجاوزون عن حدود العقل ، المتعدّون على أنفسهم باهلاكها ، وعلى سائر الناس باضلالهم : أيها المؤمنون بمحمّد ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾ وما تقلّدون في دينكم ﴿إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً﴾ ومغلوبا على عقله ، لأنّه يقول على خلاف قومه قولا لا يقبله منه عاقل.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩)﴾
ثمّ لمّا كان قولهم في نهاية القباحة والشناعة وغاية البعد عن حدود العقل ، أعرض سبحانه عن جوابهم ، وخاطب نبيه بقوله : ﴿انْظُرْ﴾ يا محمّد إلى مقالة هؤلاء السفهاء ، وتعجّب من أنهم ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ﴾ وقالوا في حقّك تلك ﴿الْأَمْثالَ﴾ والأقاويل الغريبة المعجبة الخارجة عن العقول ، فانّهم أرادوا القدح في نبوّتك ﴿فَضَلُّوا﴾ وتاهوا عن سلك العقل وطريق معرفة النبي صلىاللهعليهوآله ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ولا يقدرون أن يجدوا إلى الطعن فيك أو إلى الرشد والهدى ﴿سَبِيلاً﴾ فانّ الطعن في نبوة مدّعيها لا يكون إلّا بالطعن في معجزاته لا بهذه الأباطيل.
روي عن العسكري عليهالسلام قال : « قلت لأبي ، علي بن محمّد : هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم ؟ قال : [ بلى ] مرارا كثيرة ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة ، فابتدأ عبد الله بن [ أبي ] امية المخزومي فقال : يا محمّد ، لقد ادعّيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالا هائلا ؛ زعمت أنّك رسول ربّ العالمين ، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا ، يأكل كما نأكل ، ويمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم ، وهذا ملك فارس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال عظيم خطير (١) ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم ، فهم عبيده ، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدّقك
__________________
(١) في تفسير العسكري والاحتجاج : عظيم الحال.