ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث نبيا لكان إنّما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمّد إلّا مسحورا ، ولست بنبيّ ، ثمّ اقترحوا أشياء كثيرة » .
إلى أن قال الامام : « فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللهم أنت السامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه : يا محمّد ﴿وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ﴾ إلى قوله : ﴿قُصُوراً﴾ مع آيات اخر. قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عبد الله ، أمّا ما ذكرت [ من ] أنّي آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنّه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا ، فانّما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، وليس لك ولا لأحد الاعتراض [ عليه ] بلم وكيف ، ألا ترى أنّ الله تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا ، وأعزّ بعضا وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا ، وشرّف بعضا ووضع بعضا ، وكلّهم ممن يأكل الطعام ؟
ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا : لم أفقرتنا وأغنيتهم ، ولا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا وشرفتهم ، ولا للزّمناء والضعفاء. أن يقولوا لم أزمنتنا وأضعفتنا وصحّحتهم ؟ ولا للأذلاء أن يقولوا : لم أذللتنا وأعززتهم ؟ ولا لقباح الصور أن يقولوا : لم أقبحتنا وجمّلتهم ؟ بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادّين ، وله في احكامه منازعين ، وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : أنا الملك الخافض الرافع ، المغني المفقر ، المعزّ المذلّ ، المصحح المسقم ، وأنتم العبيد ، ليس لكم إلّا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين [ وبعقوباتي ] من الهالكين.
ثمّ أنزل الله تعالى عليه : يا محمّد ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعني آكل الطعام و﴿يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾(١) يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ، ولكن ربّي خصّني بالنبوة [ دونكم ] كما يخصّ بعض البشر بالغنى والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوة » .
إلى أن قال : « فقال رسول الله : وأما قولك : ما أنت إلّا رجلا مسحورا ، فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أنّي في صحة التميّز والعقل فوقكم ؟ فهل جرّبتم عليّ منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خرقة (٢) أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي ؟ أتظنون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها ، أو بحول الله وقوّته ؟ وذلك ما قال الله : ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجّة » الخبر (٣) .
__________________
(١) الكهف : ١٨ / ١١٠.
(٢) في تفسير العسكري : جريرة ، وفي الاحتجاج : خزية.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٥٠٠ / ٣١٤ ، الاحتجاج : ٢٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٦.