﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً
* وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٠) و (٤١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن الاشراك ، ذمّ المشركين القائلين بأنّ الملائكة بنات الله على هذا القول الفضيع ، وأنكر عليهم بقوله : ﴿أَ فَأَصْفاكُمْ﴾ وخصّكم ﴿رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ وفضّلكم على نفسه بأفضل الأولاد في اعتقادكم ﴿وَاتَّخَذَ﴾ لنفسه ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ أولادا ﴿إِناثاً﴾ وبنات مع اعتقادكم بأنهنّ أخسّ الأولاد ، وهذا ممّا تنكره العقول ، فانّ الموالي لا يختارون لأنفسهم الأردأ ويعطون الأجود الأصفى للعبيد ﴿إِنَّكُمْ﴾ أيّها الجهّال الحمقاء ، والله ﴿لَتَقُولُونَ﴾ بقولكم : إنّ الله اتّخذ لنفسه ولدا ، وهو إناث ﴿قَوْلاً عَظِيماً﴾ وكلاما شنيعا في الغاية ، بحيث لا يقول به من له أدنى مسكة ، لبداهة أن الولادة من خصائص الجسم ، والله تعالى مجسّم الأجسام وخالق الوالد والولد ، ولا يعقل أن يكون جسما ، ومن لوازم الحاجة ، وهو تعالى غني بالذات. وعلى فرض المحال لا يمكن أن يختار لنفسه أخسّ الأولاد ، وهو موجد لهم ، فيالها من ضلالة ، وما أقبحها !
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾ وبيّنا أو كررنا ﴿فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾ الحجج والحكم والعبر ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ وليتنبّهوا ويتدبّروا ﴿وَما يَزِيدُهُمْ﴾ هذا القرآن وتصريف البراهين والمواعظ التي منه ﴿إِلَّا نُفُوراً﴾ واشمئزازا منه ومن الحقّ.
﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحانَهُ
وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٢) و (٤٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن الشرك ، استدلّ على بطلانه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للمشركين ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ﴾ تعالى ﴿آلِهَةٌ﴾ اخرى من الأصنام والكواكب وغيرها ﴿كَما﴾ هم ﴿يَقُولُونَ :﴾ إنّ لله شركاء في الالوهية ﴿إِذاً﴾ البتة ﴿لَابْتَغَوْا﴾ ولطلبوا ﴿إِلى﴾ معارضة ﴿ذِي الْعَرْشِ﴾ وخالق الموجودات والغلبة عليه في الالوهية والايجاد والتدبير في العالم ﴿سَبِيلاً﴾ ووسيلة ، كما هو دأب الملوك بعضهم مع بعض ، ولو طلبوا لفسد نظام العالم. وقيل : يعني لطلبوا لأنفسهم إلى التقرّب إليه تعالى سبيلا بتحصيل الكمالات الفائقة والمراتب العالية ، حتى يمكنهم أن يقرّبوكم إليه ويشفعوكم لديه (١) .
ثمّ نزّه ذاته المقدّسة عن الشرك بقوله : ﴿سُبْحانَهُ وَتَعالى﴾ وتنزّه وارتفع بذاته ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ من وجود الشريك والولد له ﴿عُلُوًّا كَبِيراً﴾ وارتفاعا عظيما لا غاية له ، لأنّ المنافاة بين وجوب الوجود
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢١٧.