ثمّ ختم الله تعالى بيان أحوال القيامة ببيان حسن حال المؤمنين بقوله : ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ﴾ في الدنيا شيئا ﴿مِنَ الصَّالِحاتِ﴾ والأعمال الحسنات ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿فَلا يَخافُ﴾ في الآخرة ﴿ظُلْماً﴾ وعقابا بلا جرم ، أو منع ثواب من القيام بالطّاعة ﴿وَلا هَضْماً﴾ ونقص ثواب بما يستحقّه.
وقيل : يعني لا يخاف نقص الثّواب ، ولا عدم توفية الإعظام والإكرام ، أو الزيادة على سيّئاته ، والتنقيص من حسناته (١) .
عن الباقر عليهالسلام : ﴿ هَضْماً﴾ يعني لا ينقص من عمله شيء ، وأمّا ﴿ظُلْماً﴾ يقول لن يذهب به » (٢) .
﴿وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ
لَهُمْ ذِكْراً * فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى
إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٣) و (١١٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كثير من المطالب العالية ، كأهوال القيامة ، وحال المجرمين والمؤمنين فيها ، بيّن لطفه على الناس بإنزال القرآن بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنزال لما سبق من الآيات المتضمّنة للوعد والوعيد في هذا الكتاب ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ بتمامه حال كونه ﴿قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ لتفهمه العرب ، فيقفوا على إعجازه وحسن نظمه واسلوبه وخروجه من سنخ كلام البشر ﴿وَصَرَّفْنا﴾ وكرّرنا أو فصّلنا ﴿فِيهِ﴾ مقدارا كثيرا ﴿مِنَ الْوَعِيدِ﴾ والتّهديد على الكفر والعصيان بالعذاب الدنيوي كالطّوفان والغرق والخسف والرّجفة وأمثالها ، والعذاب الاخري كأهوال القيامة وأنواع عذاب النار ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ ويحترزون من الكفر والعصيان ﴿أَوْ يُحْدِثُ﴾ ويوجد ﴿لَهُمْ ذِكْراً﴾ وانتباها تتمّ به الحجّة عليهم.
وقيل : إنّ المعنى : ليتّقوا ، فإن لم تحصل لهم التقوى ، فلا أقلّ من أن يحدث القرآن لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا (٣) .
ثمّ أعظم ذاته المقتضي لتعظيم ما نزل منه بقوله : ﴿فَتَعالَى اللهُ﴾ وارتفع بذاته وصفاته عن مماثلة مخلوقاته ، وهو ﴿الْمَلِكُ﴾ والسّلطان النافذ الأمر والنّهي ، الحقيق بأن يرجى بوعده ، ويخشى من وعيده ، و﴿الْحَقُ﴾ الثابت في ملكوته والوهيّته بحيث يمتنع زوال ملكه ، وتغيّر سلطانه ، واستعانته بخلقه ، وحاجته إلى إيمانهم وطاعتهم ، وإنّما أنزل الكتاب لنفعهم ، وتكميل نقصهم ، وتهذيب
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٣١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٦٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢١.