عن النبي صلىاللهعليهوآله : « ويل للعالم من الجاهل ، وويل للسلطان من الرّعيّة ، وويل للرّعية من السلطان ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للشديد من الضعيف ، وللضعيف من الشديد ، بعضهم لبعض فتنة » ثمّ قرأ هذه الآية (١) .
وقيل : إنّ هذا في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة ، فاذا رأى الشريف الوضيع قد أسلم قبله أنف أن يسلم ، فأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه (٢) .
وعن ابن عباس : أنّ هذا في أصحاب البلاء والعافية ، هذا يقول : لم لم اجعل مثله في الخلق والخلق وفي العقل والعلم ، والرزق والأجل (٣) . وفيه احتجاج على المشركين في تخصيص محمّد صلىاللهعليهوآله بالرسالة مع مساواته إياهم في البشرية ، فابتلي المرسل إليهم بالرّسل ، والرّسل (٤) بالمرسل إليهم (٥) .
فاذا علمتم أيّها المؤمنون أن دأبه تعالى الابتلاء والامتحان ﴿أَ تَصْبِرُونَ﴾ على البلاء والمحن أم لا؟
فان تصبروا فلكم ما وعد الله الصابرين من الأجر الجزيل والثواب العظيم ﴿وَكانَ رَبُّكَ﴾ يا محمّد ، أو أيها الصابر ﴿بَصِيراً﴾ وعالما بالصابر وغيره ، فيجازي كلّا بما يستحقّه من ثواب وعقاب.
﴿وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ
لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢١) و (٢٢)﴾
ثمّ حكى سبحانه اعتراضا آخر من المشركين على رسالة النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَقالَ﴾ المشركون ﴿الَّذِينَ﴾ ينكرون البعث ودار الجزاء و﴿لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ ولا يتوقعون الرجوع إلينا بعد الموت ، ولا يخافون عقابنا ضلالا وإضلالا : ﴿لَوْ لا أُنْزِلَ﴾ من قبل الله ﴿عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ﴾ بالرسالة ، فإنّ رسالتهم أولى من رسالة البشر وأقرب بالتصديق ﴿أَوْ نَرى رَبَّنا﴾ جهرة وعيانا ، فيأمرنا بتصديق محمّد واتّباعه ، فانّ أمره شفاها بتصديقه أدلّ على صدقه من المعجزات التي تظهر على يده ، وعلى الحكيم أن يسلك الطريق الأقرب إلى المقصود.
ثمّ ردّهم سبحانه بقوله : ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا﴾ ووالله أظهروا ترفّعا مضمرا ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ وقلوبهم ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً﴾ وطغوا طغيانا مفرطا ، وغلوا في الكفر غلوّا شديدا بسؤالهم الرؤية التي لا تمكن للممكن ، ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا لفقد شرائط الرؤية. نعم ، يمكن رؤيتهم الملائكة ، ولكن
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٦٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٦٦.
(٤) في تفسير الرازي : فابتلي المرسلين.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٦٦.