الكتاب أعظم ملكا منها ، لطاعة الطير إياه وهيئة الخاتم ، فعند ذلك ﴿قالَتْ﴾ لأشراف قومها وأعاظم مملكتها بعد إحضارهم (١) : ﴿يا أَيُّهَا الْمَلَأُ﴾ وعظماء القوم قد حدث لي أمر عظيم ﴿إِنِّي أُلْقِيَ﴾ اليوم ﴿إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ عليّ ، ومعظّم لدي ، أو مختوم كما عن القمي (٢) ، وفي الحديث : « كرم الكتاب ختمه » (٣) .
قيل : كانت معجزة سليمان عليهالسلام وملكه في خاتمه ، فختم الكتاب به ، فألقى الرّعب في قلبها حتى شهدت بكرم كتابه (٤) .
وقيل : الكريم يعني حسنا ما فيه (٥) ، أو مرضيّا في لفظه ومعانيه (٦) ، أو شريفا لتصدّره بالبسملة (٧) ، أو واصلا عن نهج غير معتاد (٨) .
قيل : إنها لمّا سمعت قبلها بسلطنة (٩) سليمان على الجنّ والانس والوحش والطير ، عظّمت كتابه(١٠) .
وإنّما رزقت الايمان لتكريمها الكتاب ، ثمّ سألها الأشراف عن مرسله ومضمونه فقالت : ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ﴾ مكتوب في أوله ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ مكتوب فيه ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ﴾ ولا تترفّعوا عن طاعتي ، ولا تتكبروا بكبر الجبابرة ﴿وَأْتُونِي﴾ جميعا حال كونكم ﴿مُسْلِمِينَ﴾ منقادين لأوامري ، أو مؤمنين موحّدين.
﴿قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ *
قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ *
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ
يَفْعَلُونَ (٣٢) و (٣٤)﴾
فلمّا رأت أنّه مع إيجازه فيه الدعوة إلى التوحيد بذكر البسملة ، والنهي عن الترفّع الذي هو امّ الرذائل ، والأمر بالاسلام الذي هو أمّ الفضائل ، مع الحجة القاطعة على عظم شأن مرسله وصدقه بارساله بتوسّط الهدهد ، واتّصاله إليها بنحو خارق للعادة ﴿قالَتْ﴾ للأعاظم الذين كانوا بحضرتها ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو اثني عشر ألفا : ﴿يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ وقولوا ما تستفتون في
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٨٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٤١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٢٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٥.
(٣) جوامع الجامع : ٣٣٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٥.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤١.
(٥) تفسير الرازي ٤ : ١٩٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٢.
(٦و٧) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٢.
(٨) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٨٣.
(٩) في النسخة : قلبها سلطنة.
(١٠) مجمع البيان ٧ : ٣٤٣.