[ و] ناهين عن كلّ منكر ، وجب أن يكونوا على الحقّ ، فمن هذا الوجه دلّت الآية على إمامة الأئمّة الأربعة ، ولا يجوز حمل الآية على علي عليهالسلام وحده ، لأنّها دالّة على الجمع (١) .
في رد كلام الفخر الرازي
أقول : فيه أن الآية خاصّة بالذين اخرجوا من مكّة ظلما ، وابتلوا بأذى المشركين كعليّ عليهالسلام وجعفر وسلمان وعمّار وأضرابهم ؛ ولا يشمل الذين خرجوا منها طوعا لخدمة النبيّ صلىاللهعليهوآله كأبي بكر وعمر ، فإنّهم لم يبتلوا بأذى المشركين ، ولم يخرجوا من مكّة ، ولو شملتهم الآية لشملت معاوية أيضا ، لأنّه من المهاجرين إلى المدينة ، ومن كتّاب الوحي فيها ، ومن المتمكّنين في الأرض ، مع ظهور كونه آتيا بالمنكرات التي لا تعدّ ولا تحصى.
مع أنّ الآية ظاهرة في مدح المؤمنين الذين كانوا حين إخراجهم من مكّة ملتزمين بالمعروف تاركين للمنكر مطلقا ؛ بحيث لو مكّنوا في الأرض أمروا غيرهم أيضا بالمعروف ، ونهوا غيرهم عن المنكر في ذلك الوقت ، ولم يكن الثلاثة كذلك في ذلك الوقت ، لوضوح كون عمر وعثمان بالإجماع وأبي بكر في اعتقادنا من الفارّين من الزّحف في احد ؛ فلا بدّ من القول بكون الوصف لخصوص المخرجين الذين كان لهم هذه المرتبة من الكمال ، وإن لم يتمكّنوا في الأرض ، لأنّ صدق الشرطيّة لا يستلزم صدق مقدّمها ، فيكون الممدوح فيها عليا عليهالسلام وحمزة وجعفرا وسلمان وأبا ذرّ وأضرابهم ، لا المرتكبين للمنكر وإن كانوا من المخرجين.
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ
لُوطٍ * وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ
كانَ نَكِيرِ (٤٢) و (٤٤)﴾
ثمّ لمّا أخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله بدفع الله أذى المشركين عن المؤمنين ونصرته لهم على الكفّار ، وكان المشركون يكذّبونه في ذلك ، سلّى سبحانه قلب نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ﴾ في ما تخبرهم عن الله ، فليس تكذيبهم لك أمرا بديعا حتى يحزنك ويغمّك ﴿فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحا ﴿وَعادٌ﴾ هودا ﴿وَثَمُودُ﴾ صالحا ﴿وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ﴾ إبراهيم ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ لوطا ﴿وَأَصْحابُ مَدْيَنَ﴾ شعيبا ﴿وَكُذِّبَ مُوسى﴾ مع وفور معجزاته ووضوح آياته ، فما ظنّك بغيره ؟ ﴿فَأَمْلَيْتُ﴾ وأمهلت ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ المكذّبين لهم إلى أجل معلوم اقتضت المصلحة إمهالهم فيه ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ بالعذاب عقوبة على تكذيبهم ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ ي وإنكاري عليهم بإنزال العذاب ، حيث بدّلنا نعمتهم
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٤١.