﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ﴾ من قبل الله ﴿نَذِيرٌ﴾ ومخوّف بما يوحى إليّ من هلاك الامم المكذّبة للرسل ﴿مُبِينٌ﴾ وموضح لكم إنذاري ، وليس لي إتيانكم بالعذاب حتى تستعجلوني به ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ وستر لما مضى من ذنوبه ﴿وَرِزْقٌ﴾ من كلّ نوع وصنف من النّعم بلا كدّ ومنّة ﴿كَرِيمٌ﴾ وجامع للفضائل ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا﴾ واجتهدوا ﴿فِي﴾ الطّعن في ﴿آياتِنا﴾ ومعجزات رسولنا بنسبتها إلى السّحر أو الشّعر أو التّقوّل حال كونهم ﴿مُعاجِزِينَ﴾ وظانين فينا العجز عن الأخذ والانتقام منهم ، أو في الأنبياء العجز عن إثبات نبوّتهم ، أو معاندين لنا أو لهم ، أو مسابقين لهم ليؤخّروهم ويعجزوهم ﴿أُولئِكَ﴾ السّاعون المعاجزون ﴿أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾ وملازمو النّار. وفي بعض الروايات : أنّ الجحيم اسم لدركة من دركات جهنّم (١) .
﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢)﴾
ثمّ لمّا أثّر تكذيب المشركين واستهزاؤهم بما وعدهم الرّسول من الثّواب على الإيمان وأوعدهم من العقاب في قلبه الشريف غاية التأثير ، بالغ سبحانه في تسليته بقوله : ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ﴾ في امّة أو قرية ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ يوحى إليه بتوسّط جبرئيل ﴿وَلا نَبِيٍ﴾ يوحى إليه في منامه على قول بعض المفسرين (٢) ومدلول بعض الروايات (٣)﴿إِلَّا إِذا تَمَنَّى﴾ قبول دعوته ورواج دينه ، أو إذا بلّغ عن الله ما أوحي إليه ﴿أَلْقَى الشَّيْطانُ﴾ الطّعن والقدح ﴿فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ وما أخبر به عن الله ، أو أحدث الموانع عن نفوذ دعوته ﴿فَيَنْسَخُ اللهُ﴾ ويبطل ﴿ما يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ في ألسنة معارضيه من الطّعن والاعتراضات ، ويرفع ما يبدعه من الموانع ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ﴾ ويثبت ﴿آياتِهِ﴾ ويسدّدها في القلوب بإظهار دلائل صدقها ، ودفع الشّبهات عنها ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بمقالات الأنبياء والرّسل ، وما يورده الشّيطان عليها من الطّعن والاستهزاء والتّكذيب على لسان العتاة والمردة من الإنس ﴿حَكِيمٌ﴾ في إنزال الآيات وتمكين الشّيطان على إلقاء ما يشاء في ألسنة أتباعه.
﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٨.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٩٣ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١١٣.
(٣) الكافي ١ : ١٣٤ / ١ ، و: ١٣٥ / ٣.