﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ ورفضوا عبادة الأصنام ، واهتدوا إلى الحقّ بالنظر والاستدلال ﴿وَزِدْناهُمْ هُدىً﴾ على هدى ويقينا على يقين ، ونورا في القلب على نور ، وثباتا على ثبات ، برؤية آثار توحيد الله وقدرته ، والعلم بنتائج الإيمان وحسن عاقبته.
قيل : إنّ سبب إيمانهم أنّ حواريّا من حواريي عيسى أراد أن يدخل مدينتهم ، فقيل له : إنّ على بابها صنما لا يدخلها أحد إلّا سجد له ، فامتنع من خولها ، وأتى حمّاما كان قريبا من المدينة ، فآجر نفسه فيه ، فكان يعمل فيه ، فتعلّق به فتية من أهل المدينة ، فجعل يخبر خبر السّماء وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدّقوه.
ثمّ إن ابن الملك أراد دخول الحمّام بامرأة ، فنهاه الحواري فانتهره ابن الملك ، فلمّا دخل مع المرأة ماتا في الحمّام ، فقيل للملك : إنّ العامل في الحمّام قتله ، فهرب الحواري فطلبه الملك ولم يجده ، فقال : من كان يصحبه ؟ فسمّوا الفتية ، فهربوا إلى الكهف (١) .
وقيل : إنّ دقيانوس سخّر ممالك الرّوم ، ثمّ جاء إلى بلد يقال له أفسوس فاتّخذه دار سلطنته وبنى فيه مذبحا للأصنام ، وأمر أهل البلد بعبادتها ، وكان يقتل كلّ من تمرّد عن طاعته ، وكان في المدينة ستّة شبّان كلّهم من عظماء البلد ومن أولاد العظماء ، وكانوا مؤمنين بالله ، فاعتزلوا عن الناس ، واشتغلوا بعبادة الله ، وسألوا الله أن يحفظهم من فتنة الملك الجبّار وأن يأمنهم من شرّه ، فأخبر دقيانوس بدينهم واعتزالهم ، فأمر بإحضارهم وأصرّ في انصرافهم عن التوحيد والتزامهم بعبادة الأصنام ، فامتنعوا عن طاعته(٢) .
﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا
مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً * هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا
يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً * وَإِذِ
اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٤) و (١٦)﴾
فأخبر الله عن تأييده لهم بقوله : ﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ وثبّتناهم على الدين وألهمناهم الصبر ، وشرحنا صدورهم للإيمان حتى اقتحموا مضايق الصبر على القتل ، أو هجر الأقارب والأهل ، وتركوا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢١.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.