عن ابن مسعود : أنّ الله يأمر ملك الأرحام أن يكتب الأجل والرّزق والأرض التي يدفن فيها ، وأنّه يأخذ من تراب تلك البقعة ، ويذرّه على النّطفة ، ثمّ يدخلها في الرّحم (١) .
وفي ( الكافي ) عن الصادق عليهالسلام : « أنّ النطفة إذا وقعت في الرّحم ، بعث الله عزوجل ملكا يأخذ من التّربة التي يدفن فيها فماثّها (٢) في النّطفة ، فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتى يدفن فيها » (٣) .
ثمّ بيّن الله شدّة لجاج فرعون بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرَيْناهُ﴾ وبصّرناه ﴿آياتِنا﴾ الدالّة على التوحيد والنبوّة ﴿كُلَّها﴾ من البراهين العقلية والمعجزات الباهرة كالعصا واليد البيضاء وغيرها ﴿فَكَذَّبَ﴾ بها ونسبها إلى السّحر من فرط عناده ولجاجه ﴿وَأَبى﴾ وامتنع من قبولها والإيمان بها ، وكان من إبائه أنّه ﴿قالَ﴾ إنكارا على موسى عليهالسلام وتقبيحا لدعوته : ﴿أَ جِئْتَنا﴾ بعد غيابك عنّا ، ورجعت إلينا بعد هجرتك من بلدنا ﴿لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا﴾ وسلطاننا ، وتستولى على مملكتنا ﴿بِسِحْرِكَ﴾ وشعبذتك وتخييلات لا واقع ولا حقيقة لها ﴿يا مُوسى﴾ فإنّ العاقل لا يتخيّل ذلك فضلا عن أن يقصده.
قيل : كان غرضه من هذا القول حمل القبط على غاية مقته ، وبعثهم على معارضته حيث أظهر لهم أنّه ليس غرض موسى عليهالسلام إنجاء بني إسرائيل ، بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم (٤) ، وهذا أصعب عليهم من القتل.
﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً
سُوىً * قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ
فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى * قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى * فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا
النَّجْوى * قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما
وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ
مَنِ اسْتَعْلى (٥٨) و (٦٤)﴾
ثمّ لمّا نسب معجزات موسى عليهالسلام إلى السحر قال : ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ﴾ ونعارضنّ سحرك ﴿بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ حتى يتّضح للنّاس أنّك ساحر ، إذن ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً﴾ ووقتا معيّنا ، أو مكانا معلوما نحضر فيه للمعارضة ﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ ولا نتخلّف عنه ﴿نَحْنُ وَلا أَنْتَ﴾ وليكن الموعد ﴿مَكاناً سُوىً﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٧٠.
(٢) أي خلطها.
(٣) الكافي ٣ : ٢٠٣ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٠.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٩٨.