عن ابن عباس الفتيل : هو الوسخ الذي يظهر بفتل الانسان إبهامه بسبابته (١) .
قيل : إنّما خصّ أصحاب اليمين بالقراءة ؛ لأنّ أصحاب الشمال إذا أطّلعوا على ما في كتابهم أخذهم الحياء والخجل والعجز عن إقامة حروف الكتاب ، أو يستولى الخوف والوحشة على قلوبهم ، ويثقل لسانهم فيعجزوا عن القراءة ، وأمّا أصحاب اليمين فهم يقرأون كتابهم على أحسن الوجوه ، ثمّ لا يكتفون بقراءتهم وحدهم ، بل يقولون لأهل المحشر : ﴿هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ﴾(٢) .
﴿وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان نعمته العظيمة على الإنسان في الدنيا وإحسانه إليه (٣) في الآخرة ، هدّد الكافرين لنعمه بقوله : ﴿وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ﴾ النعم الجسيمة الدنيوية ، أو في هذه الدنيا ﴿أَعْمى﴾ القلب عن معرفة منعمه ورؤية نعمه عليه ، أو بطريق تقربّه إليه ﴿فَهُوَ فِي﴾ أمر ﴿الْآخِرَةِ﴾ ومعرفة أحوالها وطريق السلامة فيها ، أولى بأن يكون ﴿أَعْمى﴾ القلب وفاقد البصيرة.
عن عكرمة ، قال : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس ، فسأله رجل عن هذه الآية ، فقال : اقرأ ما قبلها ، فقرأ ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ إلى قوله : ﴿تَفْضِيلاً﴾(٤) قال ابن عباس : من كان في هذه النّعم التي قد رأى وعاين أعمى ، فهو في أمر الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى (٥) . ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلاً.﴾
وفي نقل آخر عنه قال : من كان في الدنيا أعمى عمّا يرى من قدرة الله في خلق السماوات والأرض ، والبحار والجبال ، والناس والدوابّ ، فهو عن أمر الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ، وأبعد عن تحصيل العلم به (٦) .
وقيل : يعني من كان في الدنيا ضالا كافرا ، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ، لأنّه في الدنيا يهتدي إلى التخلّص من أنواع الآفات ، وفي الآخرة لا يهتدي إلى ذلك ، وفي الدنيا تقبل توبته ، وفي الآخرة لا تقبل (٧) .
وقيل : يعني من كان في هذه الدنيا أعمى عن معرفة الله ، فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنّة(٨).
وقيل : يعني من كان في هذه الدنيا منهمكا في الشهوات ، ومنغمرا في ظلمات الجهل ، فهو في الآخرة أعمى ليس معه شيء من أنوار معرفة الله ، فيكون منغمرا في ظلمات شديدة وحسرة
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٨.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ١٨ ، والآية من سورة الحاقة : ٦٩ / ١٩.
(٣) في النسخة : إليهم.
(٤) الإسراء : ١٧ / ٦٦ - ٧٠.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ١٨.
(٦ و٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٩.
(٨) تفسير الرازي ٢١ : ١٩.