وحاصل المراد أنّ الأفّاكين يلقون آذانهم إلى الشياطين فيتلقّون منهم أوهاما لنقص عقولهم ، فيضمّون إليها بحسب تخيّلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع ، فأين حال هؤلاء من محمّد الصادق الذي لم يصدر منه كذب في ما أخبر به من المغيّبات وغيرها.
وقيل : إنّ المعنى أنّ الشياطين يلقون السمع إلى الملأ الأعلى فيختطفون من الملائكة بعض ما يتكلّمون به من المغيّبات ، ثمّ يوحون به إلى أوليائهم ، وأكثرهم كاذبون في ما يوحون به إليهم ، لأنّهم لم يسمعوا من الملائكة جميع ما يوحون إلى أوليائهم (١) .
أو المراد أنّهم يلقون السمع ، أي المسموع من الملائكة إلى أوليائهم (٢) .
عن الباقر عليهالسلام : « ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلال ويزور عددهم من الملائكة أئمّة الهدى ، حتى إذا أتت ليلة القدر ، فيهبط فيها من الملائكة إلى وليّ الأمر عدد خلق الله ، وقد قيّض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ، ثمّ زاروا وليّ الضلالة (٣) فأتوه بالإفك والكذب حتى يصبح ليلة (٤) فيقول : رأيت كذا وكذا ، فلو سأل وليّ الأمر عن ذلك لقال : رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى يفسّر له تفسيرا ، ويعلّمه الضلالة التي هو عليها » (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام - في هذه الآية - قال : « هم سبعة : المغيرة ، وبنان ، وصائد ، وحمزة بن عمارة البريري ، والحارث الشامي ، وعبد الله بن الحارث ، وأبو الخطاب » (٦) .
﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ * أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ
ما لا يَفْعَلُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا
مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٤) و (٢٢٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان الفرق بين الكاهن والنبي في جواب القائلين بنزول القرآن على محمّد صلىاللهعليهوآله بتوسّط الشياطين كنزول الكهانة على الكهنة ، أجاب سبحانه القائلين بأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله شاعر من الشعراء ببيان الفرق بين النبيّ والشاعر بقوله : ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ والضالّون ، ومحمّد صلىاللهعليهوآله يتبعه الراشدون.
روي أنّ شعراء العرب (٧) كابن الزّبعرى ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وهبيرة بن أبي
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٧٤.
(٣) في النسخة : أئمة الضلال.
(٤) في الكافي وتفسير الصافي : حتى لعله يصبح.
(٥) الكافي ١ : ١٩٧ / ٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٥.
(٦) الخصال : ٤٠٢ / ١١١ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٥.
(٧) في مجمع البيان وجوامع الجامع : المشركين.