وقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقا. وقال أبو جهل : هو مجنون. وقال أبو لهب : هو كاهن. وقال حويطب بن عبد العزّى : هو شاعر (١) .
﴿وَقالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُوا حِجارَةً
أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي
فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ
يَكُونَ قَرِيباً (٤٩) و (٥١)﴾
ثمّ لمّا وصف الله المشركين بأنّهم لا يؤمنون بالآخرة ، حكى شبهتهم في المعاد بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ إنكارا للبعث ، وتقريرا لكون النبي فاسد العقل : يا محمّد ﴿أَ إِذا﴾ متنا و﴿كُنَّا عِظاماً﴾ بالية ﴿وَرُفاتاً﴾ وأجزاء متفتّته ﴿أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ من القبور حال كوننا مخلوقين ﴿خَلْقاً جَدِيداً﴾ ومحيين بحياة ثانية مع تفّرق تراب أجسادنا في العالم واختلاطه بغيره وعدم تميّزه ؟ هيهات ، لا يمكن ذلك أبدا ، فردّهم الله بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : ﴿كُونُوا﴾ في المثل ﴿حِجارَةً﴾ صلبة ﴿أَوْ حَدِيداً﴾ الذي هو أصلب منها ﴿أَوْ خَلْقاً﴾ آخر ﴿مِمَّا يَكْبُرُ﴾ ويعظم ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾ قبوله للحياة لغاية بعده عنها في نظركم ، فانّكم تحيون وتبعثون لا محالة.
قيل : إنّ المراد ممّا يكبر في صدورهم السماوات والجبال (٢) . وقيل : إنّه الموت ، ونسب إلى جمهور المفسرين ، إذ ليس في النفس شيء أكبر من الموت (٣) .
والقمي عن الباقر عليهالسلام : « الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت » (٤) . والمعنى لو كنتم عين الموت لأميتكم واحييكم لا محالة ، لإمكانه وعدم القصور في القدرة ، واقتضاء الحكمة البالغة وجوبه ، إذ لو لا البعث لكان الخلق الأول عبثا ، وتعالى الله من العبث علوا كبيرا ، فإذا أجبتهم عن شبهتهم تلك (٥)﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ إنكارا واستبعادا : ﴿مَنْ يُعِيدُنا﴾ ويبعثنا مع كمال المباينة بين ترابنا وبين الإعادة والبعث ﴿قُلِ﴾ يا محمّد ، يعيدكم القادر ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ﴾ واخترع خلقكم ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وفي بدو خلقكم في هذا العالم من غير مثال يحتذيه من تراب لم يشمّ رائحة الحياة ، فإذا أجبتهم وعيّنت معادهم (٦)﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ﴾ ويحرّكون نحوك ﴿رُؤُسَهُمْ﴾ تعجبا وانكارا ﴿وَيَقُولُونَ﴾ استهزاء ﴿مَتى﴾ البعث ، وفي أي وقت ﴿هُوَ قُلْ﴾ لهم ﴿عَسى﴾ وأرجو ﴿أَنْ يَكُونَ﴾ ذلك الوقت ﴿قَرِيباً﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢١.
(٢ و٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٧٠.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٦.
(٥) في النسخة : ذلك.
(٦) في النسخة : معيدهم.