﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ
يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠) و (٢١)﴾
ثمّ بيّن سبحانه منّته على ناشر الفواحش بقوله : ﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بإمهالكم وتمكينكم من تدارك ما فرّطتم على أنفسكم ﴿وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ﴾ وشديد المودّة بكم ﴿رَحِيمٌ﴾ وعطوف عليكم بالنّعم لعذّبكم ، ولكن لرأفته ورحمته يراعي ما هو أصلح لكم ، وإن عصيتموه.
ثمّ وعظهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ بإشاعة الفاحشة ، ولا تسلكوا مسالكه ولا تعملوا بسيرته ، كما عمل أهل الإفك بإشاعة الفواحش ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ ويحذو حذوه ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ بتزيينهما في نظره وترغيبه إليهما بوسوسته ﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بوعظكم وتوفيقكم للتوبة ، وتشريع الحدود المكفّرة للذنب ، وتأييده إياكم لتهذيب الأخلاق ﴿ما زَكى﴾ وما طهر من دنس الذنب والأخلاق الرذيلة ﴿مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾ وإلى آخر الدهر ﴿وَلكِنَّ اللهَ﴾ بفضله ورحمته ﴿يُزَكِّي﴾ ويطهّر من الذنوب بالحدود والتوفيق للتوبة وقبولها ، والتأييد لتهذيب الأخلاق ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ من عباده ﴿وَاللهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوال عباده التي من جملتها ما قالوه من حديث الإفك والتكلّم بالفواحش ، وما أظهروه من التوبة ﴿عَلِيمٌ﴾ بأعمالهم من السعي في إشاعة المنكر ، وأحوالهم من النفاق والخلوص في الإيمان والتوبة ، أو عليم بما في قلوبهم من حبّ إشاعة الفاحشة وكراهتها.
﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ
وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ
وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٢) و (٢٣)﴾
ثمّ لمّا حلف أبو بكر على أن يقطع نفقته عن مسطح ابن خالته مع كونه بدريا مهاجرا فقيرا على ما قيل (١) ، نهى سبحانه أبا بكر عن الحلف المذكور وبرّه بقوله : ﴿وَلا يَأْتَلِ﴾ ولا يحلف ﴿أُولُوا الْفَضْلِ﴾
__________________
(١) جوامع الجامع : ٣١٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٣٢.