ثمّ بيّن سبحانه كيفية المحاسبة وحسن حال المؤمنين بقوله : ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ ورجحت حسناته على سيئاته في ميزان الأعمال ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بالجنّة والنّعم الدائمة.
ثمّ بيّن سوء حال الكفّار بقوله : ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ ورجحت سيئاته على حسناته ﴿فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وأضرّوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ بتضييع ما أعطاهم الله من الاستعداد والجوارح والقوى الظاهرية والباطنية والعمر والعقل ، ليحصّلوا بها السعادة الأبدية والنّعم الدائمة.
عن ابن عبّاس : يعني غبنوا بها (١) بأن صارت منازلهم في الجنة للمؤمنين (٢) .
وقيل : يعني امتنع انتفاعهم بأنفسهم لكونهم في العذاب (٣) . وهم ﴿فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ﴾ ومقيمون أبدا.
ثمّ بيّن سبحانه بعض شدائد عذابهم في جهنّم تهويلا للقلوب بقوله : ﴿تَلْفَحُ﴾ وتحرق ﴿وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ عن ابن عباس : أي تضرب وتأكل لحومهم وجلودهم (٤)﴿وَهُمْ فِيها كالِحُونَ﴾ ومتقلّصو الشّفتين من شدّة الاحتراق.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « تشويه النار ، فتتقلّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرّته » (٥) .
﴿أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ * قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا
شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ * رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ * قالَ
اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٥) و (١٠٨)﴾
ثمّ بيّن عذابهم الروحاني بتقريعهم وتوبيخهم بقوله : ﴿أَ لَمْ تَكُنْ﴾ أيّها المشركون ﴿آياتِي﴾ ومواعظي وزواجري ﴿تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ في الدنيا ﴿فَكُنْتُمْ بِها﴾ حينئذ ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ وتستهزئون ﴿قالُوا﴾ اعترافا بتقصيرهم : يا ﴿رَبَّنا غَلَبَتْ﴾ واستولت ﴿عَلَيْنا شِقْوَتُنا﴾ وملكتنا شهواتنا المؤدية إلى العاقبة السيئة والجحيم الحاطمة. عن الصادق عليهالسلام : « بالأعمال شقوا » (٦) ففعلنا ما فعلنا من تكذيب الرسل والآيات والأعمال القبيحة ﴿وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ﴾ وناسا منحرفين عن الصراط المستقيم ، وسالكين طريق الجحيم حتى وقعنا فيها ﴿رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها﴾ وأعدنا إلى الدنيا ﴿فَإِنْ عُدْنا﴾ إلى ما كنّا فيه من الشّرك والتكذيب ﴿فَإِنَّا ظالِمُونَ﴾ ومبالغون في التعدّي عن حدود
__________________
(١) في تفسير الرازي : غبنوها.
(٢-٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٣.
(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٠٩.
(٦) التوحيد : ٣٥٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١١ ، وفيهما : بأعمالهم شقوا.