عاقرا ، لا يكون إلّا بقدرته القاهرة وإلغاء الأسباب الظاهرة.
وقيل : إنّ المقصود من السؤال عن وجود الغلام منهما أنّه يكون بردّهما إلى الشّباب ؟ أو مع إبقائهما على حال الهرم ؟ (١)
﴿قالَ﴾ سبحانه بالإلهام ، أو بتوسّط الملك : ﴿كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ﴾ لا خلف فيه ولا غلط. قيل : إنّ المعنى : الأمر كذلك ، تصديقا له. ثمّ ابتدء بقوله : ﴿قالَ رَبُّكَ﴾(٢)﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وسهل. وقيل : ذلك إشارة إلى مبهم يفسّره بقوله : ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾(٣) .
قيل : إنّ معنى قوله : ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ﴾ هو أنّك تعطيني الغلام على حالنا من الشيخوخة؟ ﴿قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ﴾ يعني نعم يهب لك الغلام ، وانتما على تلك الحالة (٤) .
ثمّ استدلّ على قدرته بقوله : ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾ مذكورا ، فمن كان قادرا على خلقك من العدم قادر على خلق الولد من الشيخ والشيخة بطريق أولى.
﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ
عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١٠) و (١١)﴾
ثمّ لمّا لم يبيّن سبحانه وقت الولادة ، سأل الله آية تدلّ على وقتها بقوله : ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ ودلالة تدلّ على تحقّق الولد لأتلقّى نعمتك بالشّكر بدو حدوثها ﴿قالَ﴾ الله تعالى : ﴿آيَتُكَ﴾ ودليلك على ذلك ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ بكلام دنيوي ، ولا تقدر على التنطّق بغير ذكر الله ﴿ثَلاثَ لَيالٍ﴾ بأيامها مع كونك ﴿سَوِيًّا﴾ وسالما من الأمراض والآفات الموجبة لاعتقال اللّسان.
قيل : إنّه رجع تلك الليلة إلى امرأته فقربها ، فانعقدت النّطفة في رحمها ، ثمّ اشتغل بالعبادة والصلاة في محرابه المختصّ به ، فلمّا أصبح امتنع عليه التكلّم مع الناس (٥)﴿فَخَرَجَ﴾ في صبيحة ليلة ، حملت فيها امرأته ﴿عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ﴾ والمصلّى.
قيل : إنّ القوم كانوا من وراء المحراب ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوا ويصلّوا ، إذ خرج زكريا عليهم متغيّر اللّون صامتا فأنكروه وقالوا : مالك يا زكريا (٦)﴿فَأَوْحى﴾ وأشار ﴿إِلَيْهِمْ﴾ بيده أو بغيرها ﴿أَنْ سَبِّحُوا﴾ لله وصلّوا ﴿بُكْرَةً﴾ وبين الطّلوعين ﴿وَعَشِيًّا﴾ وبين الزوال والمغرب ، على ما قيل(٧).
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣١٧.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٨.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٨.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٩.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٨.
(٦) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٥٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣١٨.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٨.