مدّة أعماركم في الدنيا ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ ووقت قيام الساعة ﴿جِئْنا بِكُمْ﴾ في عرصة القيامة أنتم وأعداؤكم حال كونكم ﴿لَفِيفاً﴾ ومختلطا بعضكم ببعض ، ثمّ يمتاز المؤمن من الكافر ، فنحكم بينهم بما يستحقّون.
عن الباقر عليهالسلام : ﴿ لَفِيفاً﴾ يقول ، جميعا » . وفي رواية « أي من كلّ ناحية » (١) .
﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَقُرْآناً فَرَقْناهُ
لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٥) و (١٠٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر معجزات موسى عليهالسلام وامتناع قومه من الايمان به ، بيّن عظم شأن القرآن الذي هو أعظم معجزات حبيبه بقوله : ﴿وَبِالْحَقِ﴾ ومعه ، أو بغرض إظهار الحقّ محضا ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ عليك ﴿وَبِالْحَقِ﴾ ومعه ، أو على النبي الحقّ ﴿نَزَلَ﴾ من عندنا ، وإنّ اقترح الكفّار المعاندين عليك غيره وتمرّدوا من الايمان بك ، فليس عليك شيء ، فانّما بعثناك ﴿وَما أَرْسَلْناكَ﴾ إلى الناس ﴿إِلَّا﴾ لتكون ﴿مُبَشِّراً﴾ للمؤمنين بالثواب ﴿وَنَذِيراً﴾ للكافرين ، ومخوفا لهم من العقاب ﴿وَ﴾ أنزلنا ﴿قُرْآناً﴾ عظيم الشان ، وإنّما ﴿فَرَقْناهُ﴾ وجعلناه مميزا للحق عن الباطل ، أو أقساما من الخبر والأمر والنهي والوعد والوعيد والأمثال والعبر ، أو متفرّقا ومتدرّجا في النزول ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ﴾ ومهل وتأنّ حتى يكون أيسر للحفظ وأعون للفهم ﴿وَنَزَّلْناهُ﴾ عليك ﴿تَنْزِيلاً﴾ خاصا موافقا للحكمة ومناسبا للمقامات.
﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٧) و (١٠٩)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المنكرين بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للجاحدين للقرآن المقترحين عليك غيره من المعجزات : إنّ الله قد أتمّ عليكم بنزوله الحجّة إن شئتم ﴿آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا﴾ به لا يتفاوت في علوّ شأنه وعظم قدره وتمامية الحجّة به.
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ والمعرفة بمعنى النبوة ودلائلها (٢) بقرائتهم الكتب السماوية ، وتمكّنوا من التمييز بين الحقّ والباطل ، والمعجز والسحر ، وبشّروا ببعثة محمّد ونزول القرآن ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ وهم
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٦.
(٢) في النسخة : ودلائله.