﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ قال : إنّما هو فترك » (١) .
أقول : لا بدّ من إيكال العلم بالمراد من هذه الروايات إلى الراسخين فيه.
﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى * فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا
عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها
وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ
يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى * فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما
سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ
اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى * قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى * وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ
حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ
الْيَوْمَ تُنْسى * وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ
الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١١٦) و (١٢٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه قضية ترك عمل آدم بالعهد بقوله : ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى .﴾
قيل : إنّ المراد اذكر يا محمّد حال آدم في ذلك الوقت ليتبيّن لك أنّه نسي ولم يكن من أولى العزم(٢) .
﴿فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا﴾ الشيطان ﴿عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ حوّاء ﴿فَلا يُخْرِجَنَّكُما﴾ بتسويله ﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾ التي تسكنان فيها ﴿فَتَشْقى﴾ وتحرم عن نعمها والسّكونة فيها ، وتبتليان بالمتاعب في الأرض ، وإنّما أسند الشّقاء إلى آدم عليهالسلام مع أنّه وزوجته شريكان فيه ، لاستلزام ابتلائه ابتلاءها من حيث كونه قيّما عليها ، وكونها تابعة له.
ثمّ بيّن سبحانه السعادة التي يكون له فيها بقوله : ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ﴾ ما دمت ﴿فِيها﴾ لحضور أنواع المأكولات عندك ﴿وَلا تَعْرى﴾ من الثّياب لكون الملبوسات موجودة لديك ﴿وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا﴾ ولا تعطش ﴿فِيها﴾ لكون الأنهار جارية في أطرافك ﴿وَلا تَضْحى﴾ ولا تصيبك حرارة
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٩٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٤.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٥٩ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٣٤.