﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ﴾ الموكلّين بالعذاب عند الموت ، كما عن ابن عباس (١) ، أو في القيامة (٢)﴿لا بُشْرى﴾ ولا خير فيه سرور القلب ﴿يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ والعصاة والمشركين.
قيل : المراد أن ما سألوه من نزول الملائكة عليهم سيكون ، ولكن لا إجابة لما اقترحوه (٣) ، لعدم حسن إجابة السؤال الاقتراحي مع وجود المعجزات الكافية ، بل لعقوبتهم وتعذيبهم على كفرهم وتعنتاتهم ، ﴿وَ﴾ لذا ﴿يَقُولُونَ﴾ عند مشاهدة الملائكة الغلاظ الشداد كراهة للقائهم وفزعا منهم : يا ملائكة العذاب ، أسأل الله ﴿حِجْراً﴾ ومنعا لكم ، وكونكم ﴿مَحْجُوراً﴾ وممنوعا من قربنا. قيل : العرب تقول ذلك عند لقاء العدوّ ونزول نازلة ، وهو في معنى الاستعاذة (٤) .
وقيل : إنّ ( محجورا ) تأكيد للحجر ، كما يقال : ليل أليل ، وموت مائت ، وحرام محرّم (٥) .
وقيل : إنّ الكفار إذا خرجوا من قبورهم قالت الحفظة لهم ذلك (٦) ومعناه حراما محرّما عليكم الغفران والجنّة.
وقيل : إذا كان يوم القيامة تلقى الملائكة المؤمنين بالبشرى ، فاذا رأى الكفّار ذلك قالوا لهم : بشّرونا ، فيقولون : ﴿حِجْراً مَحْجُوراً﴾(٧) .
وقيل : إنّ الملائكة الذين هم على أبواب الجنّة يبشّرون المؤمنين بالجنّة ، ويقولون للمشركين ذلك(٨) .
وقيل : إنّ الكفّار [ يوم القيامة ] إذا شاهدوا ما يخافونه يتعوّذون منه ، ويقولون : حجرا محجورا ، فيقول الملائكة : لا يعاذ من شرّ هذا اليوم (٩) .
﴿وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حال أعمالهم الخيرية دفعا لتوهّم فائدتها لهم ، وأزديادا لحسرتهم بقوله : ﴿وَقَدِمْنا﴾ وقصدنا ﴿إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ﴾ خير كانوا يظنون أنّه ينفعهم كالانفاق على الفقراء ، وصلة الرّحم ، وإعانة الملهوفين ونظائرها ﴿فَجَعَلْناهُ﴾ ا وصيّرناها ﴿هَباءً﴾ وغبارا في شعاع الشمس ﴿مَنْثُوراً﴾ ومتفرّقا ، وهذا كناية عن إبطاله بالكلية ، بحيث لا يمكنهم الانتفاع كما لا يمكن قبض الهباء المنثور وجمعه.
عن الصادق عليهالسلام قال : « إن كانت أعمالهم لأشدّ بياضا من القباطيّ (١٠) ، فيقول الله عزوجل لها : كوني
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٧٠.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٠٠.
(٤) جوامع الجامع : ٣٢٢ ، تفسير الرازي ٢٤ : ٧١.
(٥-٨) تفسير الرازي ٢٤ : ٧١.
(٩) تفسير الرازي ٢٤ : ٧١.
(١٠) القباطي : ثياب بيض رقاق من كتّان.