ثمّ نبّه عليهالسلام بحاجة العبد إلى الشكر ، وغنى الربّ عنه بقوله : ﴿وَمَنْ شَكَرَ﴾ نعم الله ﴿فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ ونفعه عائد (١) إليها ، لكونه سببا لدوامها ومزيدها ، والثواب عليه ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ النعم بعدم معرفة قدرها ، وحقّ منعمها ، وترك أداء حقّها ، فانّ ضرر كفرانه عليه ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ﴾ عن شكر الشاكرين ﴿كَرِيمٌ﴾ ومتفضّل عليهم بجوده بنعمه ، وإن لم يشكروا.
﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا
جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
* وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ * قِيلَ لَهَا
ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ
مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ (٤١) و (٤٤)﴾
ثمّ ﴿قالَ﴾ سليمان لخدمه : إذا جاءت بلقيس ﴿نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ بأن غيّروا هيئته وشكله بحيث لا تعرفه في بادئ النظر ﴿نَنْظُرْ﴾ ونراها ﴿أَ تَهْتَدِي﴾ إلى معرفته فتظهر كياستها وقوّة فطانتها الناشئة من كمال عقلها ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ إلى معرفته فتظهر سخافة عقلها.
قيل : إنّ الشياطين خافوا أن تفشي بلقيس أسرارهم إلى سليمان عليهالسلام ، لأنّ امّها كانت جنية ، وإن يتزوّجها سليمان عليهالسلام ، ويكون منهما ولد جامع للجنّ والإنس ، فيرث الملك فيخرجون من ملك سليمان عليهالسلام إلى ملك هو أشدّ وأفضع ، ولا ينفكّون من التسخير ، فأرادوا أن يبغّضوها إلى سليمان عليهالسلام ، فقالوا : إنّ في عقلها خللا وقصورا ، وأنّها شعراء الساقين ، وأن رجليها كحافر حمار ، فأراد سليمان عليهالسلام أن يختبرها في عقلها (٢)﴿فَلَمَّا جاءَتْ﴾ إلى سليمان عليهالسلام والعرش بين يديه ﴿قِيلَ﴾ لها من قبل سليمان : ﴿أَ هكَذا عَرْشُكِ ؟﴾ وإنما لم يقل : أهذا عرشك ؟ لئلّا يكون تلقينا لها ، فنظرت إليه فعرفته ، ولكن لمّا رأت فيه تغييرا لم تقل لا ولا نعم ، بل ﴿قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ فلوّحت إلى نوع مغايرة له.
قيل : جعلت الشياطين أعلاه أسفله ، وبنوا فوقه قبابا [ اخرى ](٣) ، وجعلوا موضع الجوهر الأحمر
__________________
(١) في النسخة : عائده.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٢.
(٣) زاد في تفسير روح البيان : هي أعجب من تلك القباب.