الآيات لزم أنهم أتوا بمثل بعض القرآن ، بل إنّما عبّر الامام عن مطالبهم بعبارات القرآن ، والقول بأنّ العبارات قليلة ، والقليل لا ينافي التحدّي ، ضعيف غايته.
﴿وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً
* قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ
مَلَكاً رَسُولاً * قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٤) و (٩٦)﴾
ثمّ لمّا حكى سبحانه اقتراحات البشر على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حكى بعض شبهاتهم في نبوته بقوله : ﴿وَما مَنَعَ النَّاسَ﴾ من ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ بالحقّ ﴿إِذْ جاءَهُمُ﴾ سبب ﴿الْهُدى﴾ والرّشاد إليه من النبي والكتاب ، أو ما منعهم من الايمان بالرسول بعد ظهور دلائل صدقه ووفور معجزاته مانع ﴿إِلَّا أَنْ قالُوا﴾ تعجّبا وإنكارا : ﴿أَ بَعَثَ اللهُ بَشَراً﴾ فينا ﴿رَسُولاً﴾ إلينا مع قدرته على بعث الملك ، وكونه أقرب قبولا ؟
﴿قُلْ﴾ يا محمّد في جوابهم : لمّا كنتم بشرا لا تقدرون على رؤية الملك على صورته ، ولا تستأنسون به ، وجب على الله بمقتضى حكمته البالغة أن يبعث الرسول إليكم من البشر حتى يمكنكم مجالسته والاستفادة منه و﴿لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ﴾ مكان البشر ﴿مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ﴾ على أقدامهم ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء ، فيسمعوا من أهلها ويتعلّموا منهم ما يجب عليهم علمه ، وكانوا ﴿مُطْمَئِنِّينَ﴾ ومستقرّين فيها ﴿لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً﴾ ليكون ﴿رَسُولاً﴾ منّا إليهم يبلّغهم المعارف والأحكام ، ويهديهم إلى وظائف العبودية.
و﴿قُلْ﴾ لهم : إن تريدوا الشاهد والدليل على صدق دعواي ﴿كَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ ومصدّقا لدعواي ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ حيث أظهر المعجزات القاهرات الدالة على صدقي ، بحيث لم يبق لأحد مجال الشكّ فيه ﴿إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ﴾ ظواهرهم وبواطنهم ﴿خَبِيراً بَصِيراً﴾ فيجازي من صدقني وأطاعني بقلبه ولسانه وظاهره وباطنه بأفضل الجزاء ، ويعاقب من أنكرني أشدّ العقاب.
﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ
زِدْناهُمْ سَعِيراً * ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً