صيّرتهم كالظلمة » (١) .
﴿كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ
وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا
وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى
إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا
اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً * قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ
وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩١) و (٩٨)﴾
﴿كَذلِكَ﴾ السّلوك الذي كان لذي القرنين مع أهل المغرب ، سلك مع هؤلاء القوم الذّين كانوا في جهة المشرق ، أو كذلك السلطان والاقتدار الذي كان له في ناحية المغرب كان له في ناحية المشرق ﴿وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ﴾ من أمر القوم ، أو بما عنده من الصلاحيّة للملك العظيم والاستقلال ، أو بما عنده من الأسباب والعدّة والعدد والقدرة ﴿خُبْراً﴾ وعلما ، بحيث لا يخفى علينا شيء من أمره ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ﴾ ذو القرنين وأخذ بعد الفراغ من اولئك القوم ﴿سَبَباً﴾ وطريقا ثالثا إلى ناحية الشّمال كما قيل (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « سببا في ناحية الظلمة » (٣) . فسار بأسبابه ﴿حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ والجبلين العاليين اللذين كانا في منقطع أرض التّرك ممّا يلي المشرق ، على قول (٤) . أو في ما بين أرمينية وأذربيجان على آخر (٥) .
وقيل : إنّ موضع السدّين في الرّبع الشّمالي (٦) إلى الغربي من المعمورة.
إذن ﴿وَجَدَ﴾ ذو القرنين ﴿مِنْ دُونِهِما﴾ وعندهما ، أو من ورائهما ﴿قَوْماً﴾ وجماعة من النّاس وكانوا ﴿لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ﴾ ولا يقربون أن يفهموا ﴿قَوْلاً﴾ وكلاما من غيرهم إلّا بمشقّة من إشارة
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ١١٣ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٢.
(٢) تفسير الصافي ٣ : ٢٦٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٩٦.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ١١٣ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٢.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٩ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٤٤.
(٥ و٦) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٩.