السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ
مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٨) و (٧٩)﴾
ثمّ لمّا خالف موسى عليهالسلام العهد مرّة ثالثة ﴿قالَ﴾ الخضر : ﴿هذا﴾ الفراق ﴿فِراقُ﴾ أو هذا السؤال موجب للفراق ﴿بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ وسبب انقطاع وصلي ووصلك ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ واخبرك ﴿بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾ وحكمة الامور المسؤول عنها.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « [ وددنا ] أنّ موسى كان صبر حتى يقصّ علينا من خبرهما » (١) .
ثمّ شرع الخضر في بيان الحكم بقوله : ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ﴾ التي خرقتها ﴿فَكانَتْ﴾ ملكا ﴿لِمَساكِينَ﴾ وعدّة ضعفاء عجزة عن دفع الظلم عن أنفسهم.
قيل : كانوا عشرة إخوة ، خمسة منهم زمنى (٢) ، وخمسة منهم ﴿يَعْمَلُونَ﴾ بها ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ مؤاجرة ، للكسب (٣) والمعيشة ﴿فَأَرَدْتُ﴾ بأمر الله ﴿أَنْ أَعِيبَها﴾ وأنقضها (٤) بالكسر ﴿وَكانَ وَراءَهُمْ﴾ وخلفهم ، أو أمامهم ﴿مَلِكٌ﴾ كافر يقال له جلندى : بجزيرة الأندلس ببلدة قرطبة على ما قيل (٥) . وهو ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ﴾ صحيحة جيّدة وجد ﴿غَصْباً﴾ وظلما ، من أربابها. فكان الخرق بقصد التعييب لتسلم السفينة من الغصب لا بقصد الإغراق.
قيل : إنّ الملك كان من وراء الموضع الذي ركبوا في السفينة (٦) . وروي أنّ الخضر اعتذر إلى القوم ، وذكر لهم شأن الملك ، ولم يكونوا يعلمون بخبره (٧) .
قيل : فبينما هم كذلك استقبلتهم سفينة فيها جنود الملك ، وقالوا : إنّ الملك يريد أن يأخذ سفينتكم إن لم يكن بها عيب ، ثمّ صعدوا إليها وكشفوها ، فوجدوا موضع اللّوح مفتوحا فانصرفوا ، فلمّا بعدوا عنهم أخذ الخضر ذلك اللّوح وردّه إلى مكانه (٨) .
أقول : كلّ ذلك مناف لما ذكره الله من إطّلاع موسى عليهالسلام على الحكمة حين إرادة الخضر مفارقته.
﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا
أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ
__________________
(١) تفسير الصافي ٣ : ٢٥٥ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٣.
(٢) أي مرضى.
(٣) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٣٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٣.
(٤) نقض الشيء : أفسده بعد إحكامه.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٤.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٠.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٤.
(٨) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٤.