ويطعموهما.
قيل : ذكر أهلها في موضع ضمير الجمع ، للدلالة على التأكيد وزيادة التشنيع على سوء صنيعهم ، فإنّ الإباء عن الإطعام والضيافة مع كونهم أهل القرية وقادرين عليها أقبح وأشنع (١) .
وقيل : إنّهما لم يسألا ، وإنّما كان نزولهما عليهم بمنزلة السؤال (٢) .
ثمّ قيل : إنّهم باتو خارج القرية إلى الصباح ، فلمّا فتحوا في النهار أبوابها ، دخلوها وساروا في سككها (٣)﴿فَوَجَدا﴾ فيها ﴿جِداراً يُرِيدُ﴾ ويشرف ﴿أَنْ يَنْقَضَ﴾ ويسقط لزيادة ميله ﴿فَأَقامَهُ﴾ الخضر وسوّاه بالاشارة بيده ، كما عن النبي صلىاللهعليهوآله (٤) . أو بوضع يده عليه ، كما عنه صلىاللهعليهوآله أيضا. وعن الصادق عليهالسلام في ( العلل ) (٥) .
قيل : كان طول الجدار في السماء مائة ذراع (٦) ، فلمّا رأى موسى عليهالسلام هذا الإحسان من الخضر إلى أهل القرية مع غاية لآمتهم وشدّة ضرورتهما إلى الطعام ، اعترض على الخضر و﴿قالَ﴾ له : لم عملت هذا العمل مجانا ؟ إنّك ﴿لَوْ شِئْتَ﴾ والله ﴿لَاتَّخَذْتَ﴾ من أهل القرية ﴿عَلَيْهِ أَجْراً﴾ حتى نشتري به طعاما نسدّ به الرمق.
عن الرضا عليهالسلام في الحديث السابق : « حتى إذا أتيا بالعشيّ قرية تسمّى الناصرة ، ولم يضيّفوا أحدا قطّ ، ولم يطعموا غريبا ، فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيّفوهم » (٧) .
وفي رواية : « ولم يضيّفوا أحدا بعدهما حتى تقوم الساعة » (٨) .
فنظر الخضر إلى حائط قد مال (٩) لينهدم ، فوضع يده عليه وقال : قم بإذن الله فقام ، فقال موسى عليهالسلام : لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا ، وهو قوله : ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾(١٠) .
قيل : لمّا قال موسى عليهالسلام ﴿أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها﴾(١١) قال : أ ليس كنت في البحر ولم تغرق من غير سفينة ؟ ولمّا قال : ﴿أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾(١٢) قال الخضر : أ ليس قتلت القبطيّ بغير ذنب ؟ ولمّا قال : ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ قال : أنسيت سقياك لبنات شعيب من غير اجرة ؟ (١٣)
﴿قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٣٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٢.
(٢ و٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨١.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٢.
(٥) علل الشرائع : ٦١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٤.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٢.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٥.
(٨) تفسير العياشي ٣ : ١٠٢ / ٢٦٧١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٥.
(٩) في تفسير القمي : زال.
(١٠) تفسير القمي ٢ : ٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٥.
(١١) الكهف : ١٨ / ٧١. (١٢) الكهف : ١٨ / ٧٤.
(١٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٢.