وأجعلوها واحدا لا يخالف فيه أحد ، أو أدوات سحركم ورتّبوها كما ينبغي ﴿ثُمَّ ائْتُوا﴾ في الموعد حال كونكم ﴿صَفًّا﴾ واحدا ، فإنّ إتيانكم مجتمعين في الموعد أشدّ مهابة في نظر الخصم ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ﴾ وفاز ﴿الْيَوْمَ﴾ المقصد الأعلى ، وهو القرب من فرعون والشرف بين الناس ﴿مَنِ اسْتَعْلى﴾ منكم وغلب على موسى.
قيل : كان الموعد مكانا متّسعا ، وخاطبهم موسى عليهالسلام في قطر منه ، وتنازعوا أمرهم في قطر آخر ، ثمّ امروا بأن يأتوا وسطه على الوجه المذكور (١) .
قيل : كان نجواهم أن قالوا حين سمعوا مقالة موسى عليهالسلام : ما هذا ساحر ، وإن غلبنا اتّبعناه ، أو قالوا : إن كان ساحرا غلبناه ، وإن كان من السماء فله أمر. ثمّ رجعوا بعد تلك المقالات والاختلافات إلى الإتّفاق على المعارضة (٢) .
قيل : كانوا سبعين ألفا مع كلّ منهم حبل وعصا ، وأقبلوا على موسى عليهالسلام إقبالة واحدة في سبعين صفّا كلّ صفّ ألف (٣) .
وقيل : كانوا بضعة وثلاثين ألفا (٤) . وقيل : خمسة عشر ألفا (٥) . وقيل : تسعمائة ؛ ثلاثمائة من الفرس ، وثلاثمائة من الروم ، وثلاثمائة من الإسكندريّة (٦) . وقيل : كانوا اثنين وسبعين ؛ اثنان من القبط ، والباقي من بني إسرائيل (٧) .
وقيل : إنّ المراد بالصفّ المصلّى لاجتماع الناس فيه في الأعياد للصلاة (٨) .
﴿قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى * قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا
حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ
خِيفَةً مُوسى * قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٥) و (٦٨)﴾
ثمّ أنّهم بعد اجتماعهم وحضورهم ﴿قالُوا﴾ تأدّبا وإظهارا لعدم المبالاة بموسى عليهالسلام وصنيعه : ﴿يا مُوسى﴾ لك الخيار ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ﴾ عصاك على الأرض أوّلا ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى﴾ ما نلقيه ﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام مقابلة لأدبهم بأدب ، أو إظهارا للجلادة وعدم الاعتناء بسحرهم ، أو علما بأنّ إلقاءهم أوّلا أدخل في عظمة إعجازه حيث إنّ عصاه تلقف ما ألقوه : ﴿بَلْ أَلْقُوا﴾ أنتم أوّلا ما تلقون ، فبادروا في الإلقاء ﴿فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ لتلطّخها بالزّئبق وإشراق الشّمس عليها ، اضطربت
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٠٠.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٦.
(٣ - ٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٨٣ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٦.
(٦ و٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٨٣ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٦.
(٨) تفسير الرازي ٢٢ : ٨١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٦.