لَكاذِبُونَ (٨٤) و (٩٠)﴾
ثمّ لمّا كان هذا الانكار لقصور عقوله عن إدراك كمال قدرة الله أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بإلزامهم عليه ، باعتراف بقدرته تعالى على ما هو أعظم من الإعادة بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد إلزاما لهم : يا أيها المشركون ﴿لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها﴾ من الموجودات وعجائب المخلوقات ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ مبدعهما ، أو تدركون شيئا ؟ أجيبوني بعلم ﴿سَيَقُولُونَ﴾ ويعترفون البتة بأن كّلها ﴿لِلَّهِ﴾ وحده خلقا وتصرّفا وتدبيرا. لاضطرارهم إلى الاعتراف بما هو بديهي العقل ، فاذا اعترفوا بذلك ﴿قُلْ﴾ حثّا لهم على التفكّر والتدبّر ﴿أَ فَلا تَذَكَّرُونَ﴾ وتنتبهون أنّ من كان قادرا على إبداع تلك الموجودات العظيمة العجيبة ، [ فهو ] قادر على إعادتكم للحساب بطريق أولى ، لأنّ الإعادة أهون من الابداع أوّلا بلا مثال سابق.
ثمّ أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بالتّرقي في إلزامهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : قولوا لي ﴿مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ﴾ التي هي أعظم من جميع الموجودات ﴿وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ﴾ كلّها ﴿لِلَّهِ﴾ وحده خلقا وترتيبا ﴿قُلْ :﴾ بعد اعترافهم بما هو ضروري العقل توبيخا لهم : ﴿أَ فَلا تَتَّقُونَ﴾ عذابه على الشّرك بتركه ، وعلى إنكار البعث بالاقرار به ؟ وإنّما قدّم التذكّر على التقوى لكون التذكّر موجبا للمعرفة التي هي باعثة على الاتّقاء ﴿قُلْ﴾ لهم : ﴿مَنْ بِيَدِهِ﴾ وفي قدرته ﴿مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ووجوده ، أو سلطانه والتصرّف والتدبير فيه ﴿وَهُوَ يُجِيرُ﴾ ويغيث كلّ مستغيث ﴿وَلا يُجارُ﴾ ولا يغاث ﴿عَلَيْهِ﴾ من أحد لعدم احتياجه واضطراره ؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك ، فأخبروني ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ الملك والملكوت والجوار ﴿قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ ومن أين تخدعون ، وعن الرشد تصرفون ؟
مع علمكم بأنّ ما أنتم عليه من الشرك وإنكار البعث عين الضّلال ﴿بَلْ﴾ لم يبق لهم عذر إذ ﴿أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ﴾ وأنزلنا عليهم دين الاسلام الذي حقيقته معرفة المبدأ والمعاد ، وبالغنا في الحجاج ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ مع ذلك ﴿لَكاذِبُونَ﴾ في قولهم بالشّرك وإنكار البعث ومصرّون عليها.
﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا
بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى
عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩١) و (٩٢)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في إبطال الشّرك بأقسامه بقوله : ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ﴾ وما أختار لنفسه ﴿مِنْ وَلَدٍ﴾ كما يقول به اليهود والنصارى وبعض فرق المشركين لوجوب المماثلة والمجانسة بين الزّوج والزّوجة