أراك كئيبا حزينا ؟ قال : يا جبرئيل ، إنّي رأيت بني امية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي ، ويضلّون الناس عن الصراط القهقرى ، فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّا إنّ هذا شيء ما اطّلعت عليه ، فعرج إلى السماء ، فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال : ﴿أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ﴾ الآيات » (١) .
﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ * ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ * وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ
الشَّياطِينُ * وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ
لَمَعْزُولُونَ (٢٠٨) و (٢١٢)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ عذابه لا يكون إلّا بعد إتمام الحجّة بقوله : ﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ ظالمة من القرى بالعذاب ﴿إِلَّا﴾ كان ﴿لَها مُنْذِرُونَ﴾ من النبيّ والمؤمنين من أتباعه ، وإنما كان إنذارهم لأجل أن يكون ﴿ذِكْرى﴾ وعظة لهم وإتماما للحجّة عليهم ﴿وَما كُنَّا﴾ باهلاكهم في حال جهلهم ووجود العذر لهم ﴿ظالِمِينَ﴾ بهم ، بل كان محض العدل.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ القرآن تنزيل ربّ العالمين لاشتماله على إعجاز البيان والإخبار بالمغيبات من ذكر قصص الأنبياء كما هي في زبر الاولين مع كون النبي اميا ، دفع قول القائلين بأنّه من إلقاءات الشياطين كسائر ما نزل على الكهنة بقوله : ﴿وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ﴾ وما أتت به مردة الجنّ ﴿وَما يَنْبَغِي لَهُمْ﴾ وما يصحّ منهم إنزاله ، مع اشتماله على المعارف والعلوم الحقّة الحقيقية الموجبة لإرشاد الخلق إلى الحقّ وجميع الخيرات الدنيوية والاخروية ، مع أن شغلهم إضلال الخلق وجدّهم فيه ﴿وَما يَسْتَطِيعُونَ﴾ ذلك أصلا لأنّهم لا يمكنهم العلم بالحقائق والمغيبات إلّا بالسّماع من الملائكة و ﴿إِنَّهُمْ﴾ بالشهب ﴿عَنِ السَّمْعِ﴾ من الملائكة ﴿لَمَعْزُولُونَ﴾ وممنوعون ، ولو كانوا غير معزولين عن السمع لنزلوا بمثله على الكهنة والكفّار مع كمال ارتباطهم بهم والموّدة بينهم ، ولم ينزلوا على النبيّ صلىاللهعليهوآله الذي هو أعدى عدوّهم وهم أعدى عدّوه ، لأنّه يلعنهم ويذّمهم دائما ويصرف الناس عن اتّباعهم.
﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ (٢١٣) و (٢١٤)﴾
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٣ ، الكافي ٤ : ١٥٩ / ١٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٢.