إذلال المؤمن تكون ﴿الْوَلايَةُ﴾ ونصرة المؤمن ﴿لِلَّهِ الْحَقِ﴾ والمعبود الصدق ، فيوالي أولياءه ويغلبهم على أعدائة في الدنيا ، وأمّا في الآخرة ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿خَيْرٌ ثَواباً﴾ وأفضل أجرا لأوليائه ﴿وَخَيْرٌ عُقْباً﴾ ومآلا لهم ، وأسوأ عقوبة وعاقبة لأعدائه وأعدائهم.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً * الْمالُ
وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ
أَمَلاً (٤٥) و (٤٦)﴾
ثمّ ضرب الله مثلا آخر لحقارة الدنيا وسرعة زوالها بقوله : ﴿وَاضْرِبْ﴾ يا محمّد ، لقومك واذكر ﴿لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ونظيرها في زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلّا يطمئنّوا بها ، ولا يعكفوا عليها ، فإنّها ﴿كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ﴾ بسبب ذلك الماء ، والتفّ وتكاثف ﴿بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ﴾ من رياحينها ، وزرعها ، وغيرهما ﴿فَأَصْبَحَ﴾ ذلك النبات ، وصار بعد غاية بهجته ونضارته ﴿هَشِيماً﴾ ومكسورا ليبسه ، بحيث ﴿تَذْرُوهُ﴾ وتفرّقه ﴿الرِّياحُ﴾ الخفيفة حتّى لا يبقى منه أثر. كذلك الإنسان ينمو ويشبّ ويقوى ، فإذا انقضى أجله أتاه صرصر الموت ، فجعله كأن لم يكن شيئا مذكورا ﴿وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الإيجاد والإبقاء والإفناء ﴿مُقْتَدِراً﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان زوال حياة الدنيا ، بيّن زوال المال والأولاد الذين هما أعظم زينتها بقوله : ﴿الْمالُ وَالْبَنُونَ﴾ اللّذان يفتخرون بهما ممّا به ﴿زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ينقطعان عنكم بانقضائها ﴿وَالْباقِياتُ﴾ معكم في جميع العوالم من البرزخ والمعاد ، هي الأعمال ﴿الصَّالِحاتُ﴾ والعبادات الخالصات من الصّوم والحجّ والصلاة وغيرهما ﴿خَيْرٌ﴾ من الفانيات الفاسدات التي منها المال والأولاد ﴿عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً﴾ وأجرا وعائدة ﴿وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ ومأمولا ؛ لأنّ صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يأمل في الدنيا.
عن الصادق عليهالسلام : « إن كان الله عزوجل قال : ﴿الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ إنّ الثماني ركعات يصلّيها العبد آخر اللّيل زينة الآخرة » (١) .
وعنه عليهالسلام : « أنّ من الباقيات [ الصالحات ] القيام لصلاة الليل » (٢) . وقيل : هنّ الصلوات الخمس (٣) .
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٩٥ / ٢٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ١٢٠ / ٤٥٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٤.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٧٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٤.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٣١ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٢٥.