حكى الله بقوله : ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ﴾ بتدبيرنا من تهيئة أسباب الخروج لهم ، وإيجاد الداعي فيهم ﴿مِنْ جَنَّاتٍ﴾ وبساتينهم التي فيها كثير أنهار ﴿وَعُيُونٍ﴾ ومنابع ماء ﴿وَ﴾ من ﴿كُنُوزٍ﴾ وأموال وفيرة لم ينفقوها في طاعة كما قيل (١)﴿وَ﴾ من ﴿مَقامٍ كَرِيمٍ﴾ ومنازل حسنة ومجالس بهيّة والأمكنة التي كانوا يتنعّمون فيها ، وإنّما يكون الإخراج الذي هو من غضب الله ﴿كَذلِكَ﴾ الإخراج العجيب الهائل من جميع الأحوال والأمكنة ﴿وَأَوْرَثْناها﴾ وملكناها بعدهم ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ قيل : إنّهم رجعوا بعد هلاك فرعون إلى مصر ، وتصرّفوا [ في ] أموال القبط (٢) . وقيل : إنّهم تصرفوا فيها (٣) في زمن داود (٤) .
﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ * قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٠) و (٦٢)﴾
ثمّ بيّن كيفية إهلاك فرعون وقومه بقوله : ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ ولحقوهم حال كونهم ﴿مُشْرِقِينَ﴾ وداخلين في وقت طلوع الشمس ، وقيل : يعني ذهبوا وراءهم من ناحية المشرق (٥)﴿فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ﴾ وتقارب كلّ من أصحاب فرعون أصحاب موسى من الآخر ﴿قالَ أَصْحابُ مُوسى﴾ له يا موسى ﴿إِنَّا﴾ والله ﴿لَمُدْرَكُونَ﴾ وملحقون ومأخوذون ، أو مهلكون حين لحوقهم بنا ﴿قالَ﴾ موسى تسلية وزجرا لهم عن هذا الوهم : ﴿كَلَّا﴾ لن يدركوكم أبدا ، وكيف يدركونكم و﴿إِنَّ مَعِي﴾ بالنّصرة والحفظ ﴿رَبِّي﴾ وانه ﴿سَيَهْدِينِ﴾ ويدلّني البته إلى طريق النجاة منهم وكيفية إهلاكهم.
روي أنّ أصحاب فرعون لمّا قربوا من بني إسرائيل ، خلق الله بخارا حال بين الفريقين بحيث لم ير أحد منهم الآخر ، فقال فرعون لأصحابه : انزلوا وتوقفوا حتى ترتفع الشمس ويزول البخار ، فإنّه لا مفرّ لبني إسرائيل لأنّ أمامهم البحر ، ونحن وراءهم (٦) .
وروي أنّ مؤمن آل فرعون كان عند موسى ، فقال له : أين امرت ، فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ ! فقال موسى : امرت بالبحر ، ولعلي أؤمر بما أصنع (٧) .
﴿فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ
أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٨.
(٣) في النسخة : تصرّفوها.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٨.
(٥) تفسير القرطبي ١٣ : ١٠٦ ، تفسير روح المعاني ١٩ : ٨٤.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣٩.
(٧) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٩.