﴿الْعَلِيمُ﴾ بجميع المعلومات من الأحوال.
ثمّ عاد سبحانه إلى حكاية بعض أقوالهم الاخر بقوله : ﴿بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ﴾ يعني أنّهم لم يكتفوا بنسبة القرآن إلى السّحر ، بل قالوا : إنّه أباطيل يراها في المنامات الكاذبة ، فتخيّل أنّها من الله ، فأسندها إليه ﴿بَلِ افْتَراهُ﴾ على الله من قبل نفسه من غير وحي أو رؤية في المنام ﴿بَلْ هُوَ شاعِرٌ﴾ لفّق الكلام الفصيح المقفّى ، فخيّل إلى الناس أنّه من الله ، وعلى أيّ تقدير ليس كتابه معجزة مثبتة للنبوّة ، ولو فرض أنّه مع كونه بشرا يكون رسولا ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ﴾ ومعجزة قاهرة لا تتطرّق إليها الاحتمالات المذكورة ﴿كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ والأنبياء السّابقون بآيات قاهرة ومعجزات عظيمة كالعصا واليد البيضاء وإحياء الموتى حتى نؤمن به.
ثمّ كذّبهم الله في وعدهم الإيمان عند إجابتهم في مقترحاتهم بقوله : ﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ وبلدة كنّا ﴿أَهْلَكْناها﴾ بعذاب الاستئصال لعدم إيمانهم بعد إجابتهم في ما اقترحوه من الآيات ﴿أَ فَهُمْ﴾ مع شدّة لجاجهم وغاية عنادهم لك يا محمّد ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ بك ؟ كلّا فإنّهم أعتى من الامم الماضية المهلكة.
ثمّ أجاب سبحانه عن شبهتهم في رسالة محمّد صلىاللهعليهوآله بكونه بشر بقوله : ﴿وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ﴾ يا محمّد إلى قرية أو امّة ﴿إِلَّا رِجالاً﴾ ممتازين عن سائر الناس بالمعارف وكرامة الصفات ، فخصّصناهم بأن ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ الشرائع والأحكام بتوسّط الملك ، كما نوحي إليك مع أنّك أوّل رجل في عالم الوجود ، فإن لا يقبلوا قولك قل لهم : ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ والعلماء بالكتب السماويّة وأحوال الرسل الماضيّة ﴿إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أحوالهم حتى تعلموا وتزول شبهتكم ، ثمّ أكّد كون عادته تعالى إرسال البشر دون الملك بقوله : ﴿وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً﴾ ملكوتيّا ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ غنيّا عنه كالملائكة ، بل جعلناهم محتاجين إليه كما تحتاجون ﴿وَما كانُوا خالِدِينَ﴾ في الدّنيا كالملائكة ، بل كانوا ميّتين كما أنتم تموتون.
﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ * لَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (٩) و (١٠)﴾
ثمّ أنّهم مع تفرّدهم ومعارضة الناس وعدناهم النّصر على عموم الكفّار ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ﴾ ووفينا بالعهد الذي عاهدناكم من نصرتهم وإهلاك أعدائهم ﴿فَأَنْجَيْناهُمْ﴾ من العذاب حين نزوله على مكذّبيهم ﴿وَمَنْ نَشاءُ﴾ من المؤمنين بهم ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ المصرّين على الكفر