لأنّ كلّ آت قريب ، أو لأنه مضى أكثر الزمان وبقي أقلّه.
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)﴾
ثمّ عيّن الله وقت الاعادة وسهولتها بقوله : ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ الله ببعثكم من القبور أو إسرافيل بنفخه الأخير في الصّور ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ الدعوة ، وتمتثلون [ أمر ]
الداعي [ سواءأ ] كان هو الله أو إسرافيل فيما دعاكم إليه ، وتخرجون من الأجداث سراعا منقادين لله رافعين أصواتكم ﴿بِحَمْدِهِ﴾ على قدرته على إعادتكم.
عن سعيد بن جبير : أنّهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، ويقدّسونه ويحمدونه حين لا ينفعهم ذلك (١) ، أو تستجيبون بأمره على القول بمجئ الحمد بمعنى الأمر ، أو منقادين لاسرافيل حامدين لما فعل بكم غير مستعصين ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ بعد البعث ورؤية الأهوال ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ وما مكثتم في الدنيا ، أو في القبور ﴿إِلَّا قَلِيلاً﴾ اقتصارا للمدّة الماضية ، أو تقريبا لوقت البعث.
عن ابن عبّاس : يريد ما بين النفختين الأولى والثانية ، فإنّه يزال عنهم العذاب في ذلك الوقت ، قال : والدليل عليه قوله في سورة يس : ﴿مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا﴾(٢) فظنّهم بأن هذا لبث قليل عائد إلى لبثهم فيما بين النفختين (٣) الأولى والثانية.
وقيل : يوم يدعوكم خطاب للمؤمنين ، فانّهم يحمدون الله على إحسانه إليهم (٤) .
﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ
لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ
وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ
فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٣) و (٥٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إقامة الحجّة على التوحيد والمعاد وبيان معارضة المشركين للرسول وشدّة عداوتهم للحق ، أمر المؤمنين بمداراتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن صونا من الفساد (٥) بقوله : ﴿وَقُلْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ١٧٠.
(٢) يس : ٣٦ / ٥٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٧.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٨.
(٥) في النسخة : صونا للفساد ، ويريد صونا من الفساد المترتّب على المخاشنة في القول والسبّ والشتم لأنّ المشركين سيقابلونهم بمثله.