قلت ما قلت حميّة » فنزلت (١) .
﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتى هذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٧) و (٣٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ المشركين على استهزائهم بالنّبيّ صلىاللهعليهوآله ذمّهم على تعجيلهم في العذاب الموعود استهزاء بقوله : ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ﴾ بنوعه ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ والسّرعة في طلب المطلوب ، وقلّة الصّبر عليه ، فنزّل سبحانه الخلق الذي طبع عليه منزلة مبدء خلقه إيذانا بعدم انفكاكه منه. ومن عجلته استعجاله نزول العذاب الذي كان يعدهم النبيّ صلىاللهعليهوآله إيّاه.
روي أنّها نزلت في النّضر بن الحارث حين استعجل العذاب بقوله : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو آئتنا بعذاب أليم (٢) .
وعن ابن عباس : أنّ المراد بالإنسان آدم عليهالسلام ، فإنّه حين بلغ الرّوح صدره أراد أن يقوم (٣) .
أقول : لعلّ المراد أنّ العجلة أوّلا كانت خلقه عليهالسلام ، ثمّ سرى هذا الخلق في أولاده وذريّته.
وقيل : إنّ المراد بالعجل الطّين (٤) ، والمعنى : خلق الإنسان من طين ، وهذا المعنى في غاية البعد.
ثمّ وجّه سبحانه الخطاب إلى المستعجلين وهدّدهم بقوله : ﴿سَأُرِيكُمْ﴾ وأنزل عليكم عن قريب ﴿آياتِي﴾ وعقوباتي الدالّة على كمال قدرتي وقهّاريتي في الدنيا أو في الآخرة ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ بالإتيان بها ، فإنّه استعجال في ما يضرّكم غاية الضّرر ، وهو خلاف العقل وعين السّفه ﴿وَيَقُولُونَ﴾ استعجالا عن استهزاء بالنبيّ (٥) والمؤمنين بعد وعدهم إيّاهم بالعذاب : ﴿مَتى﴾ يقع ﴿هذَا الْوَعْدُ﴾ الّذي تعدوننا به ، فأتونا به ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في وعدكم.
﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا
هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ *
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ * قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ
مُعْرِضُونَ (٣٩) و (٤٢)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٠.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٦٧.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٦٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٨٠.
(٤) تفسير أبي السعود ٦ : ٦٧.
(٥) في النسخة : للنبيّ.